نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عُمان تفرض ضريبة على الدخل: خطوة تاريخية في الخليج فما تداعياتها؟ - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 08:30 صباحاً
في تحوّل اقتصادي هو الأول من نوعه خليجياً، أعلنت سلطنة عُمان عن فرض ضريبة الدخل على الأفراد من ذوي الدخل المرتفع، لتكسر القاعدة الضريبية التقليدية في المنطقة، والتي عرفت دائماً بأنها "جنة ضريبية" للأفراد والمستثمرين.
ستُفرض الضريبة الجديدة، المقرّر بدء تطبيقها في عام 2028، بنسبة 5% على الدخل السنوي الذي يتجاوز 42 ألف ريال عُماني (نحو 109 آلاف دولار)، وتشمل المواطنين والمقيمين، فيما يُعفى منها أكثر من 99% من السكان.
اقتصاد ما بعد النفط
رغم امتلاك السلطنة موارد نفطية، فإنها تُعدّ من بين دول الخليج الأقل ثراءً من حيث حجم الإنتاج والعائدات. ففي 2024، شكّلت العائدات النفطية نحو 7,45 مليارات ريال عُماني (19,3 مليار دولار)، ما يضعها تحت ضغط مستمر لتأمين مصادر دخل بديلة.
يقول الخبير الاقتصادي د. مدحت نافع لـ"النهار" إن هذا القرار جاء استجابة لتراكم عوامل داخلية وخارجية، أبرزها: "تقلبات أسعار النفط التي تفرض ضرورة تنويع مصادر الدخل، وارتفاع الدين العام واحتياجات الإنفاق على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية، والتوصيات الدولية، خاصة من صندوق النقد الدولي، لدفع الإصلاحات المالية وتعزيز الشفافية".
ويرى أن "الضريبة جاءت استكمالاً لمنظومة ضريبية أوسع، سبق أن شملت ضريبة القيمة المضافة، والضريبة على الأرباح، والضرائب على السلع الانتقائية والمحلاة"، مضيفاً أن "ضريبة الدخل كانت الحلقة الناقصة".

سلطنة عُمان (وكالات)
بين العدالة المالية والهواجس الاستثمارية
نظرياً، يرى مؤيدو القرار العُماني أنه يرسّخ مفهوماً للعدالة الضريبية من خلال استهداف الفئات ذات الدخول المرتفعة فقط، من دون المساس بالطبقات المتوسطة والمحدودة. يمكن هذه الضريبة أن تساهم في:
- تحسين تصنيف السلطنة في مؤشرات الشفافية والحوكمة.
- بناء قاعدة بيانات دقيقة عن الدخل والمكلفين.
- تحفيز الإنفاق الحكومي الموجّه نحو الخدمات الاجتماعية.
في المقابل، تثير هذه الخطوة جملة من المخاوف والتحفظات، أبرزها هروب رؤوس الأموال إلى دول خليجية لا تفرض ضرائب على الدخل، وصعوبة ضبط التهرّب الضريبي في ظلّ ضعف الرقابة المالية، وتراجع جاذبية السلطنة لاستقطاب الكفاءات الأجنبية مقارنة بدول مجاورة.
ورغم تأكيد الحكومة أن النظام الإلكتروني سيسهّل احتساب الدخل ويضمن الامتثال الضريبي، فإن الطوقي يبدي شكوكه في قدرة الضريبة على تحقيق "العدالة الحقيقية، ما لم تُقرَن بحوافز وامتيازات للمستثمرين والمشروعات الناشئة".
عوائد مالية محدودة... وأثر بنيوي أوسع
وفق التقديرات، منتظر أن تُدرّ هذه الضريبة نحو 88 مليون ريال عُماني سنوياً (230 مليون دولار)، وهذا مبلغ ضئيل مقارنة بحجم موازنة الدولة لعام 2024، والتي بلغت نحو 11,65 مليار ريال (30,26 مليار دولار).
لكن نافع يرى أن أهمية الضريبة لا تقاس بحجم العائد المالي فحسب، "بل في قدرتها على تعزيز الرقابة المالية، وتحسين أدوات صنع السياسات الاقتصادية، وإعادة توزيع المسؤوليات المالية بشكل أكثر توازناً".
هل تحذو دول الخليج حذو عُمان؟
يبقى السؤال الأبرز في الأوساط الاقتصادية الخليجية: هل ستكون الضريبة العُمانية بداية لتغيير جذري في السياسات الضريبية بالمنطقة؟
يقول الخبير الاقتصادي إن عُمان قد تشكّل نموذجاً تجريبياً مرناً لباقي دول الخليج، خاصة في ظل صغر عدد سكانها، ومحدودية مواردها، والانضباط النسبي في إنفاقها العام، فيما يستبعد أن تسير دول مثل السعودية أو الإمارات أو قطر في هذا الاتجاه في المستقبل القريب، نظراً لما توفّره من بيئة ضريبية جذابة للمستثمرين والوافدين، وهي إحدى أدواتها الاستراتيجية في المنافسة الإقليمية.
ما بين الإصلاح والاستثمار
تُعدّ خطوة سلطنة عُمان بفرض ضريبة على الدخل تجربة فريدة في سياق خليجي يفضّل تقليدياً الاعتماد على العائدات النفطية والضرائب غير المباشرة. وفي حين تبرز الحاجة إلى إصلاحات مالية حقيقية وتوسيع القاعدة الضريبية، تبقى التحديات قائمة، خصوصاً في ظل الهواجس المرتبطة بالاستثمار وجاذبية السوق العُماني.
نجاح التجربة سيتوقف على قدرة الحكومة على ربط الضريبة بخدمات ملموسة يشعر بها المواطن، وتقليل كلفة الامتثال والرقابة، وتعزيز الشفافية والثقة في النظام المالي.
في المحصّلة، فإن عُمان تخطو خطوة جريئة نحو إعادة تشكيل سياستها المالية، وقد تفتح الباب أمام نقاشات خليجية أوسع حول مستقبل العدالة الضريبية والاستدامة الاقتصادية ما بعد النفط.
0 تعليق