نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رابح رابح...خاسر خاسر - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 04:20 صباحاً
تغرق تحليلات المحللين "الاستراتيجيين"، وغير الاستراتيجيين، في استكناه نتائج الحرب الإسرائيلية-الإيرانية الأخيرة وتحديد من انتصر ومن انكسر وضمن أي حدود واستشراف مستقبل الصراع بين القوتين الإقليميتين في إطار سعيهما للسيطرة على المنطقة وتعزيز نفوذهما فيها. ويبدو مبكراً الوصول إلى حصيلة نهائية لأن ما حدث في الأيام الأخيرة للحرب يبقى لغزاً حتى يفرج أصحابه عنه، خصوصاً أن النهاية الهوليوودية للحرب تؤكد سيناريو الاتفاق المسبق عليها من دون أن يُعرف حتى الآن فحوى هذا الاتفاق الذي صاغه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه بعد اتصالات ومساع على أكثر من محور، وما هي التنازلات التي قدمتها كل من تل أبيب وطهران وما المكاسب التي حققتها.
تندلع الحروب عندما تتضارب مصالح الدول وتعجز الديبلوماسية عن إيجاد حلول، وتتوقف عندما تتقاطع مصالح القوى المعنية المؤثرة أو عندما تلحق دولة بدولة أخرى هزيمة حاسمة. اندلعت الحرب الأخيرة التي باشرتها إسرائيل على إيران بعد فشل كل المساعي للوصول إلى اتفاق نووي جديد بين أميركا وإيران، بذريعة أن برنامج إيران النووي سيؤدي قريباً إلى إنتاج قنبلة ذرية تهدد وجود إسرائيل، وطبعاً نتيجة للمواقف الإيرانية السياسية وتمدد نفوذها في قلب فلسطين عبر "حماس" وعلى الحدود الشمالية عبر "حزب الله"، فضلاً عن الحوثي في اليمن والحشد الشعبي في العراق، وبشكل أخص تطوير إيران صناعة صاروخية متطورة أثبتت قدرتها على إلحاق أذى كبير في المدن والمنشآت الإسرائيلية، العسكرية والمدنية.
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحرب على إيران منتشياً بتفوق آلته العسكرية التي دمرت غزة وبعض لبنان ووجهت ضربات مربكة للحوثيين بالشراكة مع الأميركيين. رفع شعاراً كبيراً هو تدمير البرنامج النووي الإيراني والبرامج الصاروخية، وربما إسقاط النظام وتغيير وجه الشرق الأوسط، أي عملياً جعله ساحة لإسرائيل. تخطى نتنياهو بـ"طموحه" هذا كل الخطوط الحمر، العربية والإقليمية والدولية، حتى الأميركية. لم يعد يكتفي بكون إسرائيل محمية غربية، بات يعتبر إسرائيل دولة عظمى تسيطر على الشرق كله، مستعيداً حلم أرييل شارون الذي أعلن عام 1982 أن المدى الحيوي لإسرائيل يمتد حتى باكستان وأفغانستان. ربما يكون قد أثار غضباً غربياً وإسراعاً أميركياً في التدخل لضرب المنشآت النووية الإيرانية لتاكيد أن الكلمة الأولى في المنطقة هي لأميركا وليست لإسرائيل. لن يقبل ترامب ودولته العميقة أن تأخذ تل أبيب دور واشنطن رغم الدعم الأميركي السخي لنتنياهو وحكومته. فمصالح أميركا في المنطقة أكبر من أن تسمح الإدارة الأميركية بتقويضها.
فيما بدا خلال الأيام الأولى للحرب أن إيران تلقت ضربة قاسية جداً وأنها على وشك السقوط، بعد الانكشاف الاستخباري الهائل وخلو أجوائها من أي مقاومة تذكر للطيران الإسرائيلي المسيطر على أجوائها، وتهديد مرشدها الأعلى علي خامنئي بالاغتيال، استطاعت على وجه السرعة التقاط أنفاسها وتفعيل قوتها الصاروخية لتنشئ نوعاً من الردع عبر تحقيق إصابات مؤلمة في الداخل الإسرائيلي بعدما بدت الدفاعات الجوية الكثيفة الإسرائيلية عاجزة عن إسقاط كل الصواريخ الإيرانية التي تدرّج إطلاقها حتى وصل في الأيام الأخيرة إلى أنواع ذات قوة تدميرية عالية وبدقة ملحوظة.
أعلن نتنياهو الانتصار مدعوماً برأي عام إسرائيلي مصدق، وأعلنت إيران الانتصار مع رأي عام إيراني مصدق وبعض تعاطف عربي، لا حباً بنظامها، لكن كرهاً بنتنياهو وتخوفاً من تماد إسرائيلي متغطرس وخطير على مستقبل المنطقة بأسرها. لكن الواقع أن لا أحد انتصر في هذه الحرب غير الأميركي، فإسرائيل المزهوة بتفوقها الجوي انكشفت أمام الصواريخ الإيرانية، وإيران تلقت ضربات مؤلمة عسكرية وأمنية ومدنية وانكشفت أجواؤها تماماً.
لن تتجرأ إسرائيل على شن حرب قريبة على إيران، ستعيد حساباتها قبل أن تعد إعداداً طويلاً لحرب جديدة ما زال نتنياهو يهدد بها إذا عاودت إيران العمل النووي. وستجد إيران نفسها مجبرة على سد الثغرات الكبيرة في دفاعاتها واستخباراتها، وربما تحذو حذو باكستان في تجديد سلاحها الجوي اعتماداً على الصين التي أظهرت طائراتها الحديثة تفوقاً واضحاً في حرب باكستان القصيرة مع الهند الشهر الفائت. كل ذلك يتطلب وقتاً ومالاً.
عملياً انتهت الحرب إلى ستاتيكو رغم الفارق الكبير في الخسائر، لكن إيران بلد كبير يستطيع تحمل تبعات التدمير الذي لن يكون كاملاً مهما سيطرت إسرائيل على الأجواء في ظل تضامن شعبي وانكشاف الكثير من شبكات التجسس الإسرائيلية. وهذا قد ينتج كثيراً من الممارسات القمعية وتشديد القبضة الأمنية داخلياً، ربما يكون ذلك مبرراً لملء السجون بالمعارضين بتهم جاهزة، إلّا إذا لم يستطع النظام لملمة الآثار الاقتصادية للحرب وفشل في إعادة إطلاق برنامجه النووي الذي يؤكد ترامب أنه تم القضاء عليه إلى حد كبير ولن يعود إلى العمل قبل عقود.
لقد كانت حرباً لا لزوم لها للطرفين.
0 تعليق