استفتاء "النهار": الروائي العربي بين النقد الأدبي والآراء السلبية - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
استفتاء "النهار": الروائي العربي بين النقد الأدبي والآراء السلبية - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 07:20 مساءً

امتثالاً لنظريةِ: "موتِ المؤلف" يجدُ الروائي نفسَهُ مطالباً بالصمتِ بعدَ كتابةِ نصّهِ ليكونَ الأخير مستقلاً بذاتهِ، إذ لا يحقُ للكاتبِ تفسيره، فلكلّ قارئٍ ما نوى انطلاقاً من وعيهِ وتجربتهِ الخاصّة. وعلى رغم ذلك يحق للروائي متابعة أصداء عملهِ، سواء عبر المقالات النقدية المنشورة في الصحف والمجلات أم من خلالِ آراءِ القراءِ في مواقعِ الكتب ومنصاتِ التواصل.

من هنا يمكنُ القول إنّ الروائي لا يموتُ تماماً بعدَ نشرِ عملهِ، بل هو موتٌ سريري فحسب، إذ يصعبُ عليهِ قطع الحبل السّري بينه وبين نصّه، ويكتفي بالتواري بينما يتابعُ بفضولٍ التفاعل معه، بين المديحِ والانتقاد، وبين الإعجابِ والاستهجان، وغالباً ما تستفزّه الآراءُ السلبية فيغضب ويتمنى لو أنّه يوضّح فكرة ولكنّه ممنوعٌ من التعليق لأنّ النصَ أصبحَ ملكاً للقراءِ. في هذا الاستطلاع، تواصلت "النهار" مع روائيين وروائيات كتبوا أعمالاً مهمة هم عبدالوهاب عيساوي وحنين الصائغ وابراهيم فرغلي ونورا ناجي، وطلبت أجوبتهم عن الأسئلة الآتية: "ما الذي يشعر بهِ الكاتب عندما يقرأ نقداً استفزازياً لأحد أعماله؟ وكيفَ يتعامل مع الآراءِ السلبية؟ متى يقتنع بها ومتى لا يكترث لأمرها؟ وهل حدثَ أن شعر بالندمِ على نشر عملٍ ما تحتَ تأثير نقدٍ معيّن؟"  

عبد الوهاب عيساوي: أفضّل النقدَ الوظيفي
في الحقيقة، تردّدتُ كثيرًا قبل نشر أول نص روائي كتبتُه، إذ كنت أعتقد أنّه لا يعدو أن يكون مجرد تمرين سردي. الغريب أن ما كُتب عنه لم يكن بالسوء الذي توقعت، على رغم وجود إشارات إلى بعض النقائص. لكن تلك الملاحظات كُتبت بأسلوب محفّز جعلني أتريث قليلًا وأتساءل عمّا يمكنني أن أضيفه في عملي القادم. أما بالنسبة إلى رواية "الديوان الإسبرطي"، فقد واجهت الكثير من الآراء السلبية التي تراوحت بين النقد الإيديولوجي والنقد البنيوي، وارتبطت تلك الانتقادات بحملة شنتها تيارات فكرية معيّنة ضد الرواية. لم أردّ على أيٍّ منها، باستثناء بعض الأسئلة التي طُرحت عليّ في لقاءات تلفزيونية. لا أؤمن كثيراً بجدوى الرد على ما يُكتب عن نصوص تخييلية، وأفضّل تركها مفتوحة لتعدد القراءات والنقاشات. 

الكاتب والروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي.

الكاتب والروائي الجزائري عبد الوهاب عيساوي.

 

ما أزعجني فعلًا ليس النقد في حدِّ ذاته، بل الإحساس بأنّ هناك فكرة أو تقنية فلتت منِّي ولم أستثمرها كما يجب. صحيح أن بعض الانتقادات تناولت الجوانب التقنية في الرواية، كضرورة بعض الشخصيات أو تعدد الأصوات، وهذا ما أعدّه أمراً صحياً ومفيداً، حتى وإن أزعجني أحياناً، لأنّنا نحيا مجدداً من خلال النصوص، ونحرص على جودتها، ونقلق حين ندرك أننا فوّتنا شيئاً منها. 

 أعترف بأن لديّ نصوصاً لست راضياً عنها، روايات شعرتُ أنها لم تُلبِّ الحاجة الفنية التي سعيتُ لتحقيقها. بل إن بعض النصوص شعرت لاحقاً بأني تجاوزتها، ومع ذلك أدهشني أن هناك من يعتبرها من أفضل ما كتبت!
أما عن النقد، فأنا أفضّل النقد الوظيفي الذي يكشف عن نقاط القوة والضعف في العمل الأدبي، النقد الذي يضيف للكاتب والقارئ معاً. للأسف، هذا النوع من النقد أصبح نادراً في الأوساط الجامعية. تُكتب عشرات المذكرات الجامعية التي تطبّق مناهج نقدية على نصوصي، لكنّها – في معظم الأحيان – لا تقدّم لي شيئًا يُذكر.
الآراء السلبية التي تُبنى على مقالات أو رؤى نقدية، أتقبلها رغم ما تثيره من انزعاج، لأنها تعكس محاولة لفهم النص. أما تلك الآراء المجانية المنتشرة في مواقع التواصل الاجتماعي والتي لا تستند إلى أي معرفة جمالية أو سردية، فلا أُعيرها اهتماماً كبيراً. في النهاية، حين أنشر رواية تصبح ملكًا للقارئ، ومن حق كل قارئ أن يمارس حريته في إصدار حكمه عليها.

حنين الصايغ: أكتب وفق ذائقتي أنا لا ذائقة الآخرين
فكرة أنّ النقد مفيد للكاتب أصبحت إجابة نمطية، ومع ذلك، ما زلت متمسكة بها. لا أصرّ على أن يكون النقد دائماً أكاديمياً، لكنني أفرّق بين "النقد" و"الرأي". النقد كما أراه، يركّز على العمل الأدبي ذاته: بنائه، لغته، شخصياته، هيكله أما الرأي، فينطلق غالباً من موقف شخصي، فيصطاد فكرة يتفق معها القارئ أو يختلف، لأسباب شخصية أو دينية أو أيديولوجية. والرأي، كما أعتقد، هو أدنى أشكال المعرفة الإنسانية، لأنه مجرد رد فعل غير مبني على أسس واضحة أو معايير نقدية. 

 

الكاتبة والشاعرة اللبنانية حنين الصايغ.

الكاتبة والشاعرة اللبنانية حنين الصايغ.

 

حتى الآن، لم أتلقَّ نقداً سلبياً من نقّاد مختصين، لكن حتى لو حدث، سأكونُ ممتنّة وسأتعامل معه كفرصة لتحسين أدواتي ولتفادي هنات قد يقع فيها أي كاتب مهما بلغت خبرته في عالم الكتابة. ومع ذلك، فإنّ هذا النقد - مهما كان - لن يغيّر نظرتي إلى النص الذي اخترت تقديمه للنشر. فكل نصّ هو ابن زمنه وظروفه وأدواته، وهي الأدوات التي كانت متاحة لي وقت كتابته. أما في ما يتعلق بالآراء الشخصية التي أتلقاها، سواء كانت مدحًا أم ذمًّا، فأنا أتعامل معها كما أتعامل مع رأي شخص في وجبة طعام لم تعجبه: "لكل إنسان ذائقته الخاصة" ومن حقه أن يعبّر عنها. وأنا، بطبيعتي، اعتدت أن أكتب وفق ذائقتي أنا، لا ذائقة الآخرين، ولكني لا أستطيع أن أقول إنّ الآراء السلبية تمّر عليّ مرور الكرام، فلكل رأي سلبي أثرٌ مزدوج: عاطفي وعقلاني. وقد يكون ردّ الفعل العاطفي خيبة أمل، أو شيء من التوتر، خصوصاً حين يتجاهل القارئ تعقيد البناء الفني ويتجه مباشرة إلى نسف أساس النص. لكن سرعان ما يتدخل الجانب العقلاني ليعيد الأمور إلى نصابها، ويقول: "هذا مجرد رأي، يعكس حقيقة قائله أكثر مما يعكس حقيقة النص".

إبراهيم فرغلي: موضوع التقييم بالنجوم مستفز جداً!
بشكل عام أنا شخص يُستفز بسرعة، لكني أدرّب نفسي على التحكّم في ذلك، ولا أذكر أنني تعرضت لنقد مستفز إلا على مستوى جلسات نقدية في بداياتي مع أصدقاء من الكتاب، ولعل مثل تلك الآراء كان لها أثر في انتباهي إلى ملاحظات في كتابتي في البدايات. أمّا على مستوى النقد المنشور، فهناك كتابات نقدية قدمت ملاحظات ربما تختلف مع الانطباعات التي أردت توليدها لدى القارئ عندما كتبتها، وهنا قد أشعر بالدهشة أكثر من الاستفزاز. خصوصاً لو كان كاتبها له خبرة في القراءة. ولكنّي أتقبلها أيضاً لأنّ هذا دور القراءة والنقد الجادين.

 

الكاتب والصحافي والروائي المصري إبراهيم فرغلي.

الكاتب والصحافي والروائي المصري إبراهيم فرغلي.

 

أمّا ما لا أتقبله أبداً فهو الانطباعات المبتسرة لقرّاءٍ على منصات مثل "جود ريدز" أو ما شابه، فهذه تستفزني جداً لأنّها لا تقوم على أي أساس نقدي، ويتم الدفاع عنها باعتبارها من حقوق التعبير، على رغم أنّها ليست آراء نقدية، بل وأحياناً أجد نوعاً من التقييم بالنجوم، وهذا أساساً موضوع مستفزٌ جداً. أمّا بالنسبة إلى نشر عمل ندمت عليه، فلا أعتقد. أولاً لأنني أتأنى مطولاً قبل نشر أي عمل، وأغلب أعمالي تستغرق فترات طويلة وتتضمن مراجعات عديدة. لكن على مستوى تقييمي أنا الشخصي لما أكتبه فلا أشعر بالرضا أبداً، بل يتملكني الإحساس دائماً بأنّ نصوصي محاولات سردية تجريبية للسعي إلى كمال مستحيل. أيضا أنا مشغول بفكرة التجريب لأنّها تراهن على تجديد السرد، وهي أمور لا يحبها القارئ المتعجل وأحياناً أقول ربما يكون لقارئ كهذا عليك حق، وقد أسعى لكتابة تجربة لسرد حداثي من هذا النوع مرةً. وإن فعلتها أرجو ألاّ أندم!

نورا ناجي: النقدُ يأتي في حقيبة واحدة مع الكتابة
إذا أخبرك كاتب أنّه لا يكره النقد فلتعلم أنه كاذب! نعم، لا أحد يحب انتقاده، فما بالك بالكاتب، الفنان، الذي يعتبر أعماله جزءاً من روحه؟ لا يحب الكاتب انتقاد أعماله، لكن في   الوقت نفسه، عليه أن يتقبّل ذلك. هذه هي المعادلة الصعبة التي استهلكت مني سنين  طويلة حتى أجدتها. أفكّر الآن بينما أكتب هذه السطور في كل الانتقادات التي وجهت إلي، والتي لحسن حظي لم تكن كثيرة، لكنّها أحياناً ما كانت قاسية، ربما تبتعد حتى عن انتقاد الكتابات لتتطرق أكثر إلى ما هو شخصي، انتقادي أنا كإنسانة وكامرأة، وأحياناً انتقاد شخصيات أعمالي على أنها بشكل ما أنا. على سبيل المثال، انتقدت لجرأتي المبالغ فيها، وانتقدت كذلك لخجلي في الكتابة، ففهمت أنني لن أرضي الجميع.

 

الكاتبة والروائية المصرية نورا ناجي.

الكاتبة والروائية المصرية نورا ناجي.

 

عندما فهمت ذلك، مستعيدة القصة الشهيرة عن جحا وابنه وحماره، عرفت أنني وصلت إلى معادلتي الخاصة من التقبّل. لن تنال جميع أعمالك الإعجاب، سيكره البعض كتاباتك، وسيكره البعض منشوراتك على السوشيال ميديا، وسيكره البعض نجاحك وسيكره البعض أي شيء يتعلق بك، هذا ما يجب على الكاتب تفهمه، أنّ النقد جزء من ما ارتضاه خطاً لحياته، النقد يأتي في حقيبة واحدة مع الكتابة، مع التحقق، مع النجاح، مع الانتشار. علينا إذاً أن نتقبّل كل شيء، على الكاتب أن يستمع للملحوظات النقدية الذكية، وكذلك التي لا قيمة لها، وعليه أن يصّفي كل ذلك إلى ما ينفعه، عليه أن يتجاهل الانتقادات الشخصية، وأن يتسامح مع الكراهية، وأن يسعد بالمحبة. هذا ليس سهلاً، عليه أن يدرب نفسه كثيراً ليصل إلى تلك المنطقة الآمنة السحرية، وعليه أن يتمسك بها للأبد.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق