نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كرة القدم بين أيدي المضاربين: كيف سرق الجشع روح اللعبة؟ - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 05:25 مساءً
كرة القدم كانت ملكاً للفقراء، وأضحت حكراً على من يملك المال والمضاربة، فيما المشجّع العادي يراقب من بعيد حلمه يتبدّد.
منذ أن أطلق الاتحاد الدولي "فيفا" مبيعات تذاكر المونديال، اكتشف الملايين أن شعاره الشهير "كرة القدم للجميع" لا يعدو كونه عبارة تسويقية جوفاء، فأدنى تذكرة للمباراة النهائية في ملعب "ميتلايف" في نيوجيرسي تجاوزت ألفي دولار، فيما وصلت المقاعد القريبة من الملعب إلى أكثر من أربعة آلاف. أما التذاكر ذات السعر الرمزي (60 دولاراً) فكانت مجرد نقاط خضراء باهتة على خريطة رقمية، سرعان ما اختفت في ثوانٍ.
الصدمة لم تكن في الأرقام وحدها، بل في الآلية الجديدة التي اعتمدها "فيفا": لا جداول أسعار معلنة، بل ما يشبه "يانصيب رقمي"، يحدد من يحق له الشراء، وسوق ديناميكية تتغير أسعارها كل دقيقة بحسب الطلب، تماماً كما في أسواق الأسهم، ومع الوقت يكتشف الجمهور أن المقاعد الشعبية اختفت، وأن الأسعار ارتفعت بنسبة تفوق 40% في اليوم الأول وحده.
هذه ليست كرة القدم كما عرفناها، بل تجربة مالية كاملة، حيث أصبح الوصول إلى المدرجات عملية استثمارية. وصف الصحافي البريطاني براين آرمين غراهام النظام الجديد بأنه "مختبر للجشع في عصر الرأسمالية المتأخرة"، مضيفاً أن "فيفا نجحت في تحويل المشاعر نفسها إلى سلعة قابلة للتداول، والخوف من الفقدان أصبح مصدر ربح".
ولم يتوقف الابتكار عند حدود التسعير. ففي ظل فشل مشروع الرموز الرقمية الذي أطلقه "فيفا" عام 2022، أعيد تدوير الفكرة تحت اسم "حق الشراء" أي إن المشجع يشتري رمزاً رقمياً يمنحه لاحقاً حق شراء تذكرة حقيقية إذا تأهّل منتخبه. هذه الرموز بيعت حتى بألف دولار للواحدة، قبل أن تنهار قيمتها عندما تبيّن أن أصحابها لا يمكنهم سوى شراء المقاعد الأغلى.

كأس العالم (وكالات)
ويرى إريك كانتونا، أحد أبرز المنتقدين لاحتكار اللعبة، أنه "عندما يتحكم المال في كل شيء، تموت الروح التي جعلت كرة القدم أعظم فن شعبي"، واليوم تبدو كلماته أشبه بوصية في زمن تدار فيه اللعبة ببرمجيات الذكاء الاصطناعي والخوارزميات.
ويدافع مسؤولو "فيفا" عن النظام الجديد باعتباره "تحديثاً يتماشى مع معايير السوق الأميركية". لكن هذه "المعايير" حوّلت المشجع من رفيق للمنتخب، إلى مستهلك خاضع لمنطق العرض والطلب. حتى سوق إعادة البيع التي كانت محددة بالسعر الأصلي، باتت مفتوحة بلا سقف، حيث يُعاد عرض التذاكر على المنصة الرسمية نفسها بعشرات أضعاف قيمتها، مع اقتطاع فيفا عمولة مزدوجة من المشتري.
ولفت المدير التنفيذي لرابطة المشجعين الأوروبيين رونان إيفان، إلى أن الوضع أصبح خصخصة للفرح، مضيفاً أن "كأس العالم التي كانت رمزاً للانفتاح تحوّلت إلى ناد مغلق للأثرياء".
لكن وسط هذا المشهد القاتم، تنبض كرة القدم الحقيقية في مكان آخر: في ميادين القاهرة، وفي أزقة تونس والدار البيضاء والجزائر العاصمة، حيث يحتفل الناس بتأهل رباعي عربي أفريقي إلى مونديال 2026، بفرح جماعي لا يُشترى ولا يُباع. ولخّص "الفرعون" ونجم ليفربول محمد صلاح المعنى حين قال "اللعب للبلد لا يُقاس بعقدٍ أو راتب، بل بعيون الناس الذين ينتظرونك في الشارع".
هذه المنتخبات تمثل الوجه النقيّ لما كانت عليه كرة القدم يوماً: شغف جماهيري حقيقي يتحدى كل أشكال التسلع. فالمدرجات التي تشتعل بالأغاني والهتافات ليست بحاجة إلى "ديناميكية تسعير"، بل إلى صدق المشاعر.
ربما قالها دييغو مارادونا بأوضح عبارة قبل رحيله: "كرة القدم هي الشيء النقي الوحيد الذي بقي للفقراء"، لكنّ "فيفا" اليوم يحاول تحويل هذا النقاء إلى أصل مالي يتداول كأي سهم في البورصة. ورغم كل محاولات الخصخصة، ستبقى اللعبة ملكاً لمن يحبّها.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : كرة القدم بين أيدي المضاربين: كيف سرق الجشع روح اللعبة؟ - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 05:25 مساءً
0 تعليق