العناني يقود "اليونسكو" في معركة الذاكرة الإنسانية - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العناني يقود "اليونسكو" في معركة الذاكرة الإنسانية - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 10:00 صباحاً

في زمن تتعاظم فيه التحديات الثقافية والإنسانية، وتتقلص فيه مساحات التفاهم بين الشعوب، يجيء انتخاب الدكتور خالد العناني، عالم المصريات ووزير السياحة والآثار المصري الأسبق، مديراً عاماً لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، كرسالة أمل وكفاءة ومعنى.

فاز العناني بتأييد 55 دولة من أصل 57، في مقابل صوتين فقط لمنافسه الكونغولي إدوار فيرمان ماتوكو، ما يجعل هذا الفوز واحداً من أكثر الانتخابات حسماً في تاريخ المنظمة. لكنه ليس انتصاراً انتخابياً فحسب، بل هو تفويض أخلاقي وثقافي من العالم لشخصية تجمع بين الرؤية الأكاديمية، والخبرة التنفيذية، والحسّ الإنساني العميق.

ليس هذا التكليف عادياً؛ فخالد العناني، أول مصري وعربي يتولى هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة، يدخل إلى مقر اليونسكو في باريس وهو يحمل على كتفيه ثقة دولية نادرة، لكنه يواجه أيضاً ملفاً شديد التعقيد. من أزمة تمويل خانقة، إلى النزاعات الثقافية العابرة للحدود، إلى معركة الذاكرة الإنسانية المهدّدة في أماكن مثل غزة، تتراكم على مكتبه قضايا بحجم البشرية.

في احتفالية تقليده وسام “جوقة الشرف” من الحكومة الفرنسية قبل عدة أسابيع، قال العناني عبارتين لافتتين: إنه دعا فقط من أحبّ أن يشاركه اللحظة، وإنه توقّع أن يعتذر نصف المدعوّين بسبب السفر أو الإجازات، لكن المفاجأة أن الجميع حضر. تلك اللحظة لم تكن بروتوكولية فحسب، بل كشفت عن واحدة من أهم سمات خالد العناني: أن الآخرين يرتبطون به لشخصه لا لمنصبه، وأن محبّته واحترامه يستمران حتى بعد مغادرته مقعد الوزارة. وهو ما تجلّى بقوة خلال السنوات الثلاث الماضية، حين غادر منصبه الوزاري لكن ظلّ حضوره الثقافي والإنساني متوهجاً.

العناني ليس نجماً سياسياً عابراً، بل هو باحث أكاديمي قضى أكثر من ثلاثين عاماً في دراسة الحضارات، وتدريس علم المصريات، وإدارة المتاحف، قبل أن ينتقل إلى مسؤوليات وزارية دمج فيها وزارتي السياحة والآثار لأول مرة منذ 1966، وأدار مشاريع ترميم كبرى، أبرزها المتحف المصري الكبير، ونظم فعاليات ثقافية لامست خيال العالم، مثل الموكب الذهبي للمومياوات، واحتفالية طريق الكباش، ومعرض “توت عنخ آمون” في باريس، الذي استقطب 1.4 مليون زائر في سابقة فرنسية.

 

المدير العام لليونسكو خالد العناني. (أ ف ب)

المدير العام لليونسكو خالد العناني. (أ ف ب)

 

يعرف العناني، قبل غيره، أن مهمته ستكون صعبة لأسباب عدة. أولها: ما يحدث في غزة. فالجراح ليست فقط في الأرواح، بل أيضاً في الذاكرة الجماعية. خلال العامين الماضيين، دُمّرت مواقع دينية وأثرية وأسواق قديمة ومتاحف ومكتبات ومراكز تراثية في القطاع، وأكدت اليونسكو نفسها في تقارير موثقة عبر صور الأقمار الصناعية أن هذا الدمار يضرب في صميم وظيفتها، وهي صون الذاكرة والهوية وسط الأزمات الإنسانية.

من هنا، سيكون عليه أن يقود جهوداً مزدوجة: إنقاذية عاجلة لحماية ما بقي من ذاكرة غزة، واستراتيجية بعيدة المدى للترميم والتوثيق، وربما ابتكار آليات دولية جديدة تواكب الطوارئ الثقافية في مناطق النزاع. ولن تكون المهمة سهلة، خصوصاً في ظل نقص التمويل، وتراجع المساهمات، بعد انسحاب الولايات المتحدة في عهد ترامب، ثم العودة المشروطة، فضلًا عن التحديات الجيوسياسية التي تلقي بظلالها على كل ملفات التعليم والثقافة في المنظمة.

منظمة اليونسكو لم تعد مجرد هيئة رمزية تنظم المؤتمرات وتمنح الأوسمة، بل هي – أو هكذا ينبغي أن تكون – جهازاً استراتيجياً يعيد وصل الإنسان بذاكرته، والثقافة بالسلام، والمعرفة بالتنمية. ولهذا فإن قيادة المنظمة في هذا التوقيت تتطلب ما هو أكثر من الصلاحيات الإدارية؛ تتطلب الرؤية، والابتكار، والقدرة على مخاطبة العالم بلغاته المتعددة.

خالد العناني مؤهل لذلك. فهو يتقن الفرنسية والإنكليزية بطلاقة، وله شبكات علاقات ثقافية في فرنسا وأوروبا وأفريقيا، وأشرف على تدريب أجيال من علماء المصريات في مصر وخارجها، ونال الدكتوراه من جامعة بول فاليري مونبلييه-3، قبل أن تمنحها له ذات الجامعة كدرجة فخرية تقديراً لدوره.

على الرغم من أن اليونسكو ليست منصة قومية، فإن وجود مصري على رأسها يعزز زخم ملفات التراث المصري المؤجلة. فمصر تحتفظ بقائمة طويلة من المواقع على “اللائحة المؤقتة”، وتنتظر التوثيق والتسجيل. ولا نتحدث هنا عن مجاملة وطنية، بل عن توظيف مهني لمعرفة العناني، وقدرته على تطوير ملفات الترشح، وربطها بالتنمية المستدامة في القرى والمجتمعات المحلية التي تحتاج إلى فرص اقتصادية وثقافية.

فوز العناني الساحق ليس نهاية المطاف، بل بدايته. واللحظة التي يعلو فيها التصفيق لا ينبغي أن تنسينا أن الملفات ثقيلة، والخصوم كُثر، والوقت ضيّق. فثمة عالم ينهار في غزة، وثمة ذاكرة تُمحى في السودان، وثمة جهلٌ يزحف في مناطق النزاع، وثمة متاحف بلا كهرباء، ومدارس بلا كتب، وشعوب تبحث عن صوتها وسط صخب التكنولوجيا.

العناني لديه الفرصة، والثقة، والتاريخ، لكنه يحتاج إلى أجندة واضحة، قابلة للقياس، قائمة على التحالفات الذكية، والانفتاح على الجنوب العالمي، وتجديد دور المنظمة لتصبح أكثر استجابة، وأقل بيروقراطية.

حين تسلم الدكتور خالد العناني وسام “جوقة الشرف”، قال إنه لا يعتبره تكريماً شخصياً وحسب، بل مسؤولية تجاه المستقبل. واليوم، بعدما أصبح مديراً عاماً لليونسكو، لم تعد المسؤولية مجرد فكرة أخلاقية، بل باتت تكليفاً عالمياً. ومتى ما تحوّل هذا التكليف إلى عمل، وهذا الإدراك إلى أجندة، فإن العالم سيربح، واليونسكو ستستعيد بريقها كمنارة ثقافية في زمن الظلمة.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : العناني يقود "اليونسكو" في معركة الذاكرة الإنسانية - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 10:00 صباحاً