نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بعد تكريم روبير بادنتير - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الاثنين 13 أكتوبر 2025 08:35 صباحاً
إبراهيم نجار
عند انتهاء الإحتفال المهيب بإدخال رفات روبير بادنتير Robert Badinter الى البانتيون، في التاسع من تشرين الأول، لم أتمالك نفسي من التساؤل: لماذا لا نستطيع تكريم الكبار من لبنان دون الوقوع في مهالك الطائفية والمذهبية والشعبوية وما تبقى من مناطقية. بالطبع، لم تجمع الآراء حول أعظم إنجاز حققه المحتفى بذكراه، بناءً على طلب من فرنسوا ميتران، الذي كان ضمّن برنامجه الانتخابي إلغاء عقوبة الإعدام.
لكن مواقف روبير بادنتير وشخصيته وقوة حجته وبراعة إلقائه وعظيم اقتناعه بوجوب الإلغاء لعقوبة مذلّة في أيام السلم، كل هذا جعل من روبير بادنتير رمزاً فريداً ونادراً في حقوق الانسان ومكاسبها. فقد تبعت كل أوروبا فرنسا في إلغاء عقوبة الإعدام، ولحق بها ما يقارب 85% من دول العالم، وبات التصويت السنوي في الجمعية العمومية للأمم المتحدة على قرار تأجيل التنفيذ للعقوبة Moratorium من الدلائل الهامة على تقدم مسيرة حقوق الانسان وعلى التأكيد بأن الحياة أقوى من الموت وانه ليس من المفروض بعقوبة مرادفة للعبودية (التي ألغيت عام 1848) أن تكون من قرارات الدولة وقضاتها.
"لا تقتل" !
في هذا الاحتفال الصامت إلا من بعض الترنيمات والاصوات الرقيقة والرائعة والتراتيل المفعمة بالانسانية والأناقة، استوقفني مشهد عدد من المحامين، يرتدون ثوب المحامي، استقبلوا الرفات باسم "الجهورية" على مدرج البانتيون، بعد أن ألقى اثنان منهم خطابين متكاملين حول مسيرة المحامي بادنتير، قرب الجامعة التي درس القانون فيها ثم تخرّج منها بروفسوراً.

Robert Badinter, père de l'abolition de la peine de mort, s'est éteint | La Gazette France
كانت الجمهورية الفرنسية حاضرة ومجتمعة ومنتظمة بكل كوادرها، الحالية والسابقة، وحتى المستقيلة... لم يرفع أحد صوته، حتى يحافظ الجميع على الخشوع واحترام ذكرى روبير بادنتير. ورغم هذا الصمت النسبي، لم استطع أن أتمالك نفسي من الانبهار أمام هذه الجدية في احترام الموتى والمكرّمين، دون تزلّف أو تملّق أو مزايدات (1).
باتت رموز رفات روبير بادنتير ترقد قرب تلك العائدة لكوندورسيه Condorcet، العالم والفيلسوف الفرنسي الشهير (1743-1794) الذي شارك في معركة الحريات والتنور في القرن الثامن العشر الذي أرست في أواخره الثورة الفرنسية المبادئ التي حررت العالم بأسره تدريجياً.
إزاء هذه العظمة وهذا التكريم، من الطبيعي أن يطالب كل لبناني بإنشاء مقراً للعظماء الذين تدين لهم الجمهورية بأفكارهم وقضاياهم، بصرف النظر عن التنوع الفكري الذي يلازم إنتماءاتنا المتكسرة والمتناقضة أحياناً في لبنان، بدون محاسبة المكرّمين على طائفتهم ومذهبهم، فلبنان التراث موجود، ولبنان الفكر حافلٌ بالعطاءات العابرة للطوائف، ولبنان الموحّد بقي رغم كل شيء، وشهداؤنا مكللون بالغار والاحترام، فكثيرون ساهموا في إرساء لبنان على قواعد ثابتة ودائمة جعلت من تعدديتنا رسالة، ومن عيشنا الواحد أمثولة للتاريخ وللأمم، تعالوا نلغي عقوبة الإلغاء من ذاكرتنا القومية. فلبنان يستحق.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : بعد تكريم روبير بادنتير - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الاثنين 13 أكتوبر 2025 08:35 صباحاً