نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مكارم
الأخلاق
العشرة..
زاد
القيم
في
زمن
المتغيرات - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الاثنين 30 يونيو 2025 10:15 مساءً
في زمن تتزاحم فيه المؤثرات وتتصارع القيم، تبرز الحاجة الملحة للعودة إلى الجذور الراسخة التي تُعلي من شأن الإنسان وتُعيد توازنه الأخلاقي؛ ولعلّ من أعظم ما توارثته البشرية من القيم، ما اصطلح عليه بمكارم الأخلاق، تلك الصفات العشر التي دعا إليها الإسلام وافتخر بها العرب حتى قبل نزول الوحي، والتي شكلت حجر الزاوية في بناء الأفراد والمجتمعات.
إن الحديث عن مكارم الأخلاق ليس ترفاً تربوياً، بل هو ضرورة حضارية في ظل ما نراه من مظاهر تفكك العلاقات، وتراجع روح المسؤولية، وتنامي السلوكيات السلبية لدى بعض الأجيال الصاعدة؛ فحين يتربى الطفل منذ نعومة أظفاره على الصدق، والوفاء، والأمانة، والحلم، والسماحة، والأناة، والشجاعة، والمروءة، وإكرام الضيف، وصلة الرحم، فإننا لا نصنع فرداً صالحاً فقط، بل نُعد مواطناً صالحاً ومؤثراً ومحصّناً داخلياً أمام موجات الانحراف والانجراف.
ولعل أول ما ينبغي التأكيد عليه أن الأخلاق لا تُعلّم بالمواعظ المجردة وحدها، بل تُغرس بالتربية اليومية، وتُترسخ بالممارسة والقدوة؛ فالطفل يرى قبل أن يسمع، ويقلّد أكثر مما يحفظ؛ولهذا كانت القدوة الصالحة في البيت والمدرسة والمجتمع هي أقوى أساليب التربية وأكثرها تأثيراً.
ومن أعظم وسائل غرس الأخلاق في نفوس النشء رواية القصص والمواقف التي تجسد هذه القيم، سواء من السيرة النبوية، أو من حياة الصحابة والتابعين، أو من مآثر الأجداد في بيئاتنا المحلية، أو حتى من قصص الشعوب التي اشتهرت بخصال حميدة؛ فالقصص تزرع في القلب ما لا تفعله الكلمات الجافة، وهي تخلق لدى الطفل حالة وجدانية تفاعلية تجعله يتبنى القيمة بسلاسة، لأنها جاءت في سياق إنساني حي.
نجد في سيرة النبي محمد صل الله عليه وسلم نماذج خالدة لكل خلق كريم؛ فقد عُرف بالصدق حتى قبل البعثة، فلقّبه قومه بـ”الصادق الأمين”، وكانوا يودعون عنده أماناتهم رغم اختلافهم معه بعد النبوة؛ وفي قصة خديجة رضي الله عنها حينما وصفت النبي صل الله عليه وسلم بأنه “يصدق الحديث ويؤدي الأمانة ويصل الرحم”، تأكيد على أن مكارم الأخلاق كانت جوهر رسالته.
وقد كان العرب في الجاهلية يفاخرون بهذه القيم، فكانوا يرون في الكذب عاراً، وفي الغدر مذلة، وفي عدم إكرام الضيف إساءة لا تغتفر؛ ومن أمثالهم الشهيرة “الوفاء دين” و”من لا يكرم ضيفه لا يُكرم”؛ وفي بطون الكتب نقرأ عن رجال ونساء من الأجداد الذين سطروا مواقف خالدة في السماحة والشجاعة والمروءة، وكانوا على قلة ما يملكون، أعظم عطاءً من كثير ممن يملكون ولا يعطون.
ولأن هذه القيم لا تنتمي إلى عصر واحد، فهي ممتدة عبر الزمن، نجد حتى في واقعنا المعاصر من يضرب أروع الأمثلة فيها؛ كم من معلم وقف بشجاعة ليواجه تحديات التعليم ويغرس القيم قبل المعرفة! وكم من أب وأم جسّدا المروءة في مواقفهم اليومية، دون أن تلتقطها عدسات الإعلام! وكم من شاب أعاد مالاً ليس له، أو وقف ليحمي طفلاً من أذى، أو صبر على من أساء إليه، فكان بذلك ترجماناً حياً للأخلاق التي نطمح أن تسود.
ومن هنا، فإن مسؤوليتنا التربوية والثقافية والاجتماعية تُحتم علينا أن نعيد الاعتبار لمكارم الأخلاق، لا كشعارات، بل كسلوك عملي يبدأ من البيت ويُعزز في المدرسة ويُحتفى به في الإعلام. فالقيم لا تزدهر في بيئة لا تقدّرها، ولا تستمر في مجتمع لا يكرّم أهلها.
إن بناء الأجيال لا يكون بالمعارف وحدها، بل بالأخلاق أولاً، وإن نهضة الأمم لا تقوم على الاقتصاد فقط، بل على القيم التي تحكم تعاملاتها وتُوجه قراراتها؛ ومتى ما أحسنّا تربية أبنائنا على هذه الأخلاق العشرة، فإننا نبني مستقبلاً أكثر أمناً، ومجتمعاً أكثر تماسكاً، ووطناً يفاخر بأبنائه في كل ميدان.
فالصدق يُبنى عليه الثقة، والوفاء يُنبت الإخلاص، والأمانة تحمي الحقوق، والحلم يطفئ نيران الغضب، والسماحة تصنع بيئة متسامحة، والأناة تقي من التهور، والشجاعة تخلق المبادرة، والمروءة تُجمّل النفس، وإكرام الضيف يعبر عن الأصالة، وصلة الرحم تعزز التراحم المجتمعي.
ولن نُفلح في ذلك إلا إذا كنا نحن الكبار قدوة قبل أن نكون موجهين؛ فالقيم لا تُلقّن، بل تُرى وتُمارس؛ ولنُدرك أن كل موقف يومي – مهما بدأ بسيطاً – هو فرصة لغرس واحدة من هذه المكارم في قلب صغير، سيغدو غداً رجلاً أو امرأةً يحملون مشعل الأخلاق في عالم في أمسّ الحاجة إليه.
مبارك بن عوض الدوسري
@mawdd3
0 تعليق