عن الحب والدين وقراءة التاريخ... مينا ناجي يستلهم فكر سيمون فايل وفلسفتها في "ليس عزاءً بل ضوء" - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عن الحب والدين وقراءة التاريخ... مينا ناجي يستلهم فكر سيمون فايل وفلسفتها في "ليس عزاءً بل ضوء" - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 10:20 صباحاً

في كتابه "ليس عزاء بل ضوء" لا يكتفي الكاتب المصري مينا ناجي باستلهام فكر سيمون فايل (1909- 1943) وفلسفتها فحسب، بل إنه أيضاً يستحضر روحها، ويحاورها باعتبارها "صديقة، تصغره بأربع سنوات"، بما أنه بلغ الثامنة والثلاثين من عمره، بينما رحلت هي عن عمر يناهز الـ 34 عاماً.

سيمون أدولفين فايل (سيمون فايل) (بالفرنسية: Simone Weil) فيلسوفة ومتصوفة وناشطة سياسية فرنسية ولدَت في عائلة يهودية غير متدينة، وتعتبر من أهم فلاسفة القرن العشرين، وهي أخت عالِم الرياضيات أندره فايل. اعتبرها ألبير كامو "أكبرَ عقل في عصرها". واعتبرها الكاتب والصحافي البريطاني توماس مالكوم مادغيريدغ "العقلَ الأكثرَ إشراقاً في القرن العشرين". بلغَ تأثيرها حداً جعلَ ألبير كامو نفسُه يرى أن من المستحيل تصور أي مكانة لأوروبا في المستقبل ما لم تأخذ أوروبا في الحسبان المتطلباتِ التي حدَّدَتْها سيمون فايل.

يتألف كتاب "ليس عزاء بل ضوء" في استلهام فكر سيمون فايل وفلسفتها (بيت الحكمة- القاهرة 2025) للكاتب المصري مينا ناجي (1987)، من ثلاثة مقالات: "عن الحب"، و"عن الدين"، و"عن قراءة التاريخ"، وخاتمة عبارة عن رسالة إلى سيمون فايل، تعكس استيعابه لأفكارها واختلافه مع بعضها في الوقت ذاته: "أنا أكبر منكِ سناً الآن، وأود أن أقول لك كصديق أن علينا أن نترفق بأنفسنا مثلما نترفق بالآخرين. بالطبع الصرامة تصل بنا إلى ما هو أبعد دوماً، لكني لا أحب نموذج الشعلة التي تحترق سريعاً لأنها تنير أقوى. نعم أنبهر به، لكني لا أوده لنفسي. ربما لأني أكره الموت. البارحة حلمت بأنه مجرد انتقال سلس ولطيف، وشعرت بالأمان لوهلة، لكني في حالتي الواعية أخشاه" (ص 157). ويقول ناجي الذي كتب اسم ملهمته بطريقة مختلفة عن المتداول (فاي) في المقدمة، إنه "يمكن اعتبار هذا الكتاب نتاجاً للصداقة بيننا، فقد حاولت في المقالات الثلاثة، من خلال أفكارها وكتاباتها، أن أستشف كيف يمكن أن ترى حالنا المعاصر، وأقيس واقعنا المشترك على معاييرها الحديَّة والمشحونة عاطفياً". وفي مقدمة الكتاب يقول ناجي أيضاً إن فكرته لمعت في ذهنه بعد أن قرأ قبل نحو أربع سنوات على موقع "كتب مملة" الفصل الثاني من كتاب "الجاذبية والنعمة"، ويتألف من مقاطع روحية اقتطعها الفيلسوف الفرنسي غوستاف تيبون من مذكرات سيمون فايل، ونشرها عام 1947. في موازاة ذلك تذكر ناجي معاناته منذ أن بلغ 16 عاماً من عمره، من الأغورافوبيا"، التي تُصنَّف في الفئة الأصعب من اضطرابات الرهاب، وبسببها عاش 18 عاماً محروماً الحركة والسفر ومزاولة حياته الطبيعية، ومن ثم كان يبحث عن "عزاء"، لكنه مع فايل وجد الأفضل، وهو "الضوء".

 

غلاف ”ليس عزاء بل ضوء”. (بيت الحكمة)

غلاف ”ليس عزاء بل ضوء”. (بيت الحكمة)

 

رفيقة سلاح
بحث ناجي عن كتاب "الجاذبية والنعمة" كاملاً، وبعد أن قرأه تأكد شعوره – كما يقول – بأنه عثر على "رفيقة سلاح ذكية، جاءت إلى قاع الجحيم لتجلس بجانبي، وتوشوشني: سنُشغل عقلينا وقلبينا معاً، هات يدك"(ص 18). قرأ ناجي أعمال سيمون فايل في الفلسفة والتصوف والسياسة والتنظيم الاجتماعي. خلال حياتها القصيرة نشرت عدداً من المقالات وكتاب "القمع والحرية" 1934. ولم تلق كتاباتها الاهتمام إلا بعد وفاتها سنة 1943 عن 34 عاماً. لكن بحلول سنة 2012 – يقول ناجي – كان هناك أكثر من خمسة آلاف كتاب ودراسة أكاديمية ومقال عن أعمالها وحياتها. 
ومينا ناجي، المولود في الكويت عام 1987 لأبويْن مصرييْن، تخصَّص بهندسة الاتصالات خلال دراسته في الجامعة الألمانيّة في القاهرة والتي أتمَّها عام 2014؛ لكنه عمل في مجال الصحافة الثقافيّة والفنيّة، ثم في مجال الترجمة، وكذلك في السينما، إذ كتب الفيلم القصير "بهدوء"، وكتب الفيلم التسجيلي "تبدأ حين تنتهي" وأخرجه. ولناجي كتاب عن معاناته من رهاب الأغورافوبيا عنوانه "33: عن الفقد والرهاب" (دار المرايا – 2021). وجد أن تفرد فايل الروحي، يناقض "المفاهيم النرجسية الحالية"، فهي كانت تساوي بين ذاتها والكون في رحابة تبعث على الشعور بالسكينة كما الدهشة. وهذا التفرد الروحي  يقول ناجي، نستطيع أن نراه في تهميشها لذاتها بشكل بطولي في سبيل أفكارها، فقد عاشت بعمق شديد وفق ما آمنت به من أفكار؛ بقدر ما حاولت جاهدة التعبير عن كيف تعاش الحياة وفق قيمة الحب؟ وهذا – يضيف ناجي ما يجعل خطابها مميزاً – في عصرها كما هو الآن – بتقاطعاته مع التصوف والفلسفة والسيكولوجيا والإرشاد الروحي والسياسة والتنظيم الاجتماعي، "لكي يجيب عن سؤال: كيف نحب في حياة صعبة؟ كيف نتحمل المعاناة والبلاء من دون أن نفقد إنسانيتنا؟" (ص 22).   

عن الحب
المقال الأول "عن الحب"، يستلهم فيه مقال فايل "حب الله والبلاء". بحسب تعبير فايل في رسالة خاصة: "الوجود الإنساني شيء شديد الهشاشة والانكشاف لمثل هذه الأخطار (الأذى والموت) الى درجة أنني لا أستطيع الحب من دون رعدة". حتى على المستوى الروحي تشير فايل إلى أن قبول الحب – النَعَم الزواجية كما عند المتصوفة – ليس أمراً سهلاً كما قد يبدو؛ لأن نمو بذرة الحب عملية مؤلمة، وتدمر كل ما يأتي في طريقها، حتى تصل الروح إلى نقطة لا توافق فيها فقط على الحب بل تحب حقاً وفعلاً". وهناك كما يقول مينا ناجي أمر آخر يجعل موضوع الحب غنياً دائماً للنقاش، وهو احتلاف ممارسات الحب وتبدياته بحسب محددات مثل الطبقة والنوع والثقافة والظرف التاريخي، على رغم أن تلك المحددات المتنوعة ليست هي ما تعرّف جوهرية الحب. وإذا كان سؤال المواقع في الحب مهماً من الناحية "السياسية" أو الوظيفية، إلا أنه من داخل "خطاب الحب" حيث تختلط الأدوار وتتبادل وتمتزج، ليست له الأهمية ذاتها، كما يرى. فالصفات الذكورية التقليدية مثلاً تخضع في الحب – بحسب ناجي - إلى المجال الأنثوي، فلكي يكون الرجال رومانسيين، عليهم أن يتخلوا موقتاً على الأقل عن الانضباط العاطفي والسلطة المؤكدة، ويبدلوها بصفات مثل "الانفتاح"، و"اللطف"، و"الرعاية"... الخ. وهو ما ينطبق أيضاً على بقية المحددات الأخرى، فربما يأخذ الطرف الأضعف في النظام الاجتماعي التقليدي مكانة أكبر ونفوذاً أوسع داخل هذه اليوتوبيا. وحضور فايل الواضح، لا يحجب حضور فلاسفة ومفكرين وكُتَّاب آخرين من عصور مختلفة. يتوقف ناجي أمام تصور رولان بارت عن "إباحية" كلمة الحب في عصر الرغبة والجسد، ملاحظاً أنه في عمله "خطاب مُحِب" قرر أن يكتب من داخل لغة الحب نفسها، أي بلغة عاشق يتحدث عن نفسه، بالأصالة عن نفسه.

 

الكاتب المصري مينا ناجي. (فايسبوك)

الكاتب المصري مينا ناجي. (فايسبوك)

 

من الماركسية إلى التصوف
سيمون فايل، ولدت في باريس لعائلة بورجوازية، أتقنت اليونانية القديمة وهي في سن الثالثة عشرة، كانت لها ميول ماركسية في مراهقتها، لكنها أصبحت ذات آراء نقدية للماركسية في بداية عشريناتها،. اتجهت إلى التصوف المسيحي المنفتح على المعتقدات الأخرى، وشاركت في الحرب الأهلية الإسبانية ضد الفاشيين، وفي الحرب العالمية الثانية ضد الاحتلال النازي لفرنسا. 

كتابها "رسالة إلى كاهن" 1951، تشرح فيه، في مقاطع متتالية، لماذا ترفض الدخول في الكاثوليكية بشكل رسمي. ولاحظ ناجي أنها استطاعت بمفردها وقبل عشرين عاماً (في سنة 1942) أن تخرج بالنتائج نفسها الأساسية لما يسمى "المجمع الفاتيكاني الثاني" 1962، الذي عقد من أجل تطوير الكنيسة الكاثوليكية لاهوتياً وكنسياً، والذي استمر أربع سنوات، واستغرق التحضير له ثلاث سنوات، بمشاركة أكثر من 2625 شخصاً من مختلف الديانات والطوائف والانتماءات، وقد تم وصفه حينها بأنه أكبر حدث ديني في القرن العشرين. يشير ت. س. إليوت في تصديره للترجمة الإنكليزية لكتابها "التجذر"، إلى "أننا يجب ألا نتشتت، بمدى اتفاقنا واختلافنا معها بل يجب أن نعرض أنفسنا لشخصية امرأة تتسم بما يشبه عبقرية القديسين". المهم هو التماس مع "تلك الروح العظيمة" بوصف ألبير كامو. وكما عند المتصوفة، بحس ملاحظة ناجي، ينبع جمال كتاباتها من الاستخدام "الحقيقي" للواقع الذي تراه وتعيشه، أي التعبير عن "جمال الحقيقة"، كما أشارت بنفسها عن الكتابات الصوفية. ولاحظ كذلك أن فايل ترتكز في روحانياتها إلى تراث اللاهوت – السلبي المسيحي الصوفي (بمعنى أن الله خارج كل إدراك) والروحانيات الشرقية، في تداخل مع التراث اليوناني العقلاني المؤسس للفلسفة الغربية. 

أما في أفكارها السياسية والاجتماعية، فهي تنقد اليمين واليسار، "من دون الخضوع لهيمنة الأيديولوجيا؛ كونها محبة للنظام والتراتبية". وفي رسالة الختام يتوجه ناجي إلى فايل قائلاً: "لقد عرفت مصادفة، أنك أخذت طريقة كتابتك من بسكال. يبدو هذا منطقياً، فالتوازيات بينكما كثيرة؛ بسكال كتب في اللاهوت حين مرَّ بتجربة روحية (مثلِك). هاجم اليسوعيين وأفكارهم (مثلما هاجمتِ الكنيسة المنظمة) وقبل الكاثوليكية في النهاية قبل أن يرحل في الـ 39، لتجمع كتاباته مثلِك أيضاً وتكون من أشهر الكتابات الفلسفية واللاهوتية".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق