عرب الأحواز: عودة هوياتية في جسم إيران المهلهل - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عرب الأحواز: عودة هوياتية في جسم إيران المهلهل - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الجمعة 27 يونيو 2025 05:30 صباحاً

اسطنبول- حسين عقيل

 

ملايين العرب يعيشون في إقليم الأحواز الذي تتركز فيه جلّ الثروات الإيرانية من النفط والغاز، والثروات المائية الفائقة الأهمية في جغرافية إيران التي تعاني أساساً من أزمة شح حاد في المياه، إضافة إلى الثروات الزراعية الاستراتيجية كالقمح، إذ تحظى الأحواز بين المناطق الإيرانية الأخرى برتبة متميزة في نسبة انتاجها... هذه كلّها مؤشرات تجعل من الأحواز عنصراً محوريّاً في تحديد ملامح إيران ما بعد الحرب.

وأما الجسم المنهك فتجد الحالات المزمنة فيه فرصة للاستفحال والظهور الأقوى، ما قد يتعب الجسم العليل أساساً ويزيد من أوجاعه الى درجة كبيرة، ووجود الشعوب غير الفارسية المستاءة الى درجة كبيرة من جملة تلك التحديات المزمنة، والتي أثبتت تجارب إيران الحديثة ظهورها بقوة عند كل إعياء للجسم الإيراني الكبير، ومن أبرز نماذجها "الثورة الإسلامية" عام 1979 التي شهدت إيران فيها حراكاً على كل المستويات السياسية والاجتماعية، وحتى المسلحة للشعوب غير الفارسيّة؛ لم يتمكن النظام الجديد في ذلك الحين من قمعها إلا بعد مرور أعوام.

ومن جملة الأوجاع المزمنة في جسد إيران الحديثة ما قد يؤدي إلى إصلاحات سياسية عميقة في نظامها السياسي، أو حتى إطاحته  وتغييره، وأما الأخرى منها، فقد تؤدي إلى تغييرات جذريّة في نوعيّة العلاقات بين مكوناتها الاجتماعية أو حتى تفككها بالكامل ولو بعد حين. ومن الصنف الثاني علة تعدد الشعوب في إيران، إذ إن نسبة تفوق الـ 50 في المئه من القاطنين في جغرافية إيران هم شعوب غير فارسية كالعرب والأكراد والأتراك والتركمان والبلوش، وأقليات دينية ومذهبية، ومنها أهل السنة وهم أكبر تلك الأقليّات والذين في الغالب منتشرون على الشريط الحدودي الإيراني. وكل هؤلاء محرومون أبسط حقوقهم كتعليم اللغة الأم أو ممارسة طقوسهم الثقافية أو الدينية، إذ تشعر هذه الشعوب والأقليات بأخطار حقيقة قد تؤدي إلى اندثارها فتحاول جاهدة المقاومة بكل السبل، وتتربص دوماً الفرص التي قد تتيح لها إمكان  العودة إلى المشهد لتحقيق شيء من حقوقها.

واللافت في كل هذا هو معرفة النظام أيضاً بخطر عودة الشعوب المقموعة إلى المشهد بقوة، ومحاولة تفادي هذا الخطر من خلال خلق نسبة من الرضا عند هذه الشعوب، ومن تلك المحاولات، على سبيل المثال، تعيين محافظ عربي للأحواز للمرة الأولى بعد ضمها إلى إيران (1925)، أي بعد مئة عام تماماً، وبها تحاول جهات في النظام الإيراني جبر الخواطر عند الأحوازيين الذين قد يستغلون، باصطفافهم مع الشعوب الأخرى، فرصة ضعف النظام لخلق تحولات جذرية في نوعية العلاقة بين المكوّنات الاجتماعية في إيران. ولكن من المرجّح أن الشوفينية الفارسية والطائفية الشيعية المتجذرتين عند طيف عريض من الساسة، وحتى عند النخبة الفارسية، سوف تعرقلان مثل هذه الجهود الاستباقية المبذولة من بعض الجهات في إيران وسوف تبقى الأوضاع عند هذه الشعوب فى حالة من الاحتقان والتربص.

 

quoterotated.svg

من جملة الأوجاع المزمنة في جسد إيران الحديثة ما قد تؤدي إلي اصلاحات سياسية عميقة في نظامه السياسي أو حتى الإطاحة به وتغييره، وأما الأخريات منها فقد تؤدي إلي تغييرات جذريّة في نوعيّة العلاقات بين مكوناته الاجتماعية أو حتى تفككه بالكامل ولو بعد حين

quote.svg

 

وعلى الأرجح أنّ النظام لا يسقط مباشرة بعد أن يصمت هدير الصواريخ، لكّنه يبقى وهو مرهق أمام احتجاجات شعبية في إيران عموماً وأمام مطالب الشعوب غير الفارسية ومنها الأحوازيون خصوصاً، فإن بادر الى القمع فهو يزيد من نسبة الكراهية والاحتقان وهذا ما لا يريده ولا يتحمل عواقبة أساساً، وأما في حال اعطائه الشعوب مطالبها فيصبح أمام إيران جديدة لاتريدها خلية النظام الصلبة ولا حتى نخب الشعب الفارسي المهيمن منذ مئة عام من دون أيّ شريك.

الأحواز، ونظراً إلى العودة الهويّاتية الكبيرة بين أبناء شعبها العربي ووجود احتجاجات كبيرة فيها منذ عام 2005، والدالة بوضوح على وجود نسبة كبيرة من عدم الرضا الشعبي، وكذلك وجود تجارب عديدة في مجالات السياسة الداخلية والنشاطات الاجتماعية والثقافية المتكررة عند نخبها رغم شدة القمع، ونظراً إلى موقعها الاستراتيجي ووجود مصادر الطاقة والكثير من الثروات الحيويّة فيها، يمكنها أن تلعب دوراً أساسيا في إيران بعد الحرب، لكن كلّ ذلك مشروط، إذ أن الأحوازيين، بعد مدة طويلة من القمع المستمر، قد لا يستطيعون التحول إلى قوة ضاغطة من دون دعم خارجي حقيقي.

وأما استغلال فرصة الشعوب غير الفارسيّة في إيران عموماً وفي الأحواز خصوصاً من أيّ من القوى الإقليمية، فيدخل إيران الحالية في مسار التغيير الكبير إذ تصبح بعده بفعل الضغط الداخلي الكثيف بلداً ديموقراطيّاً، فيدراليّاً متشكّلاً من مجموعة من الولايات لكلّ منها لغتها وثقافتها ومصالحها وانتماؤها الحضاري، وعندئذ تكون إيران جارة أفضل وملتقى لمختلف الثقافات في المنطقة وعنصراً نافعاً في شرق الأوسط والعالم بأسره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق