نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مراكز البيانات الضّخمة... مفاتيح الرّيادة في عصر الذّكاء الاصطناعي - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الجمعة 4 يوليو 2025 08:30 صباحاً
نديم الفحيلي*
في ظل التسارع غير المسبوق في وتيرة التحول الرقمي، أصبحت مراكز البيانات الضخمة تشكل الحجر الأساس للبنية التحتية الرقمية الحديثة، لا سيما في مجال الذكاء الاصطناعي. فهذه المنشآت العملاقة، التي تضم آلاف الخوادم والمعالجات المتخصصة (مثل وحدات معالجة الرسوم GPU والمعالجات المتقدمة الأخرى)، باتت توفر قدرات تخزينية وحوسبية هائلة، ما يتيح تدريب النماذج الذكية وتشغيلها على نطاق واسع.
من خلال تقنيات الحوسبة السحابية، أصبح ممكناً الوصول إلى هذه الموارد الضخمة عن بُعد، ما مكّن الباحثين والشركات من تطوير نماذج معقّدة للذكاء الاصطناعي من دون الحاجة لامتلاك البنية التحتية فعلياً. وهذا ساعد على تسريع وتيرة الابتكار وخفض التكاليف.
ومع تصاعد حجم النماذج الحديثة، خاصة نماذج التعلم العميق الواسعة النطاق مثل نماذج اللغة الضخمة (LLMs)، ارتفعت الحاجة إلى قدرة حاسوبية وطاقة كهربائية هائلتين. وأشارت تقارير صدرت في 2024 – منها تقرير لمجلة "فوربس" – إلى أن الطلب على القدرة الحاسوبية اللازمة لتدريب هذه النماذج يفوق كثيراً الإمكانات المتوافرة حالياً في مراكز البيانات العالمية، ما أدى إلى سباق عالمي محموم لتوسيع هذه المراكز وتحديثها.
لم يعد هذا التوجه مقتصراً على الدول والشركات الغربية؛ فقد دخلت دول عربية، وخليجية تحديداً، بقوة على هذا المسار. ومن خلال شراكات استراتيجية مع كبرى الشركات الأميركية والأجنبية، تعمل هذه الدول على بناء مراكز بيانات ضخمة تدعم طموحاتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
مشروع "Stargate AI"... نموذج ريادي للتعاون الخليجي-الأميركي
على المستوى الاستراتيجي، ظهرت شراكة نوعية بين دول الخليج والولايات المتحدة تحت مظلة مشروع "Stargate AI" الذي يهدف إلى تطوير بنية تحتية حوسبية فريدة من نوعها في المنطقة بدعم أميركي تقني. ويُتوقع لهذا المشروع أن يُمكّن دولاً مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من تسريع تطورها في هذا المجال مع الحفاظ على تكاملها داخل المنظومة التقنية العالمية.
في هذا السياق، أُعلن في 2025 عن إطلاق مشروع "Stargate UAE"، وهو ثمرة تعاون بين شركة G42 الإماراتية وعدد من الشركات التقنية الأميركية الرائدة مثل "أوبن إيه آي" و"أوراكل" و"إنفيديا". ويهدف المشروع إلى إنشاء "عنقود حوسبة" ضخم بقدرة تصل إلى 5 غيغاواط في أبو ظبي، ما يجعله أحد أكبر مراكز الذكاء الاصطناعي في العالم، وفقاً لما نشرته TechCrunch في تقريرها لعام 2025.
يُمثّل هذا المشروع جزءاً من مبادرة أميركية - إماراتية أوسع لتسريع التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي، حيث تم الاتفاق بين حكومتي البلدين على تعزيز الوصول إلى الموارد الحاسوبية المتقدمة. وفي خطوة غير مسبوقة، كشفت وكالة "بلومبرغ" أن الإدارة الأميركية تدرس تخفيفاً كبيراً في قيود تصدير الرقائق الإلكترونية المتقدمة، بما يسمح للإمارات باستيراد أكثر من مليون من رقائق "إنفيديا" الحديثة سنوياً، بعدما كانت هذه الرقائق محظورة سابقاً.

مركز بيانات معزز بالذكاء الاصطناعي
مستقبل الذكاء الاصطناعي... بُنى تحتية تُغيّر موازين القوى
يتضح أن مراكز البيانات الضخمة لم تعد مجرد بنى تقنية داعمة، بل أصبحت تشكل "القوة المحركة" الحقيقية لتطوير وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، بما يُمكّن تطبيقاته الذكية من التوسع في مختلف القطاعات، من الصحة إلى الطاقة والتعليم.
أدركت الحكومات والشركات – في الغرب أو في العالم العربي – أن امتلاك هذه البنية التحتية يمثل عاملاً حاسماً في معركة التنافسية التقنية. ومن خلال الشراكات الدولية الذكية، كما في نموذج "Stargate AI"، يتم استثمار الموارد والخبرات لبناء مراكز بيانات غير مسبوقة في حجمها وأدائها.
في المحصلة، لا يمكن الحديث عن الريادة في عصر الذكاء الاصطناعي من دون الحديث عن القدرة الحاسوبية. فامتلاك هذه القدرة لم يعد رفاهية، بل هو امتلاك لمفاتيح المستقبل ذاته.
**دكتور في التكنولوجيا المالية وخبير في الذكاء الاصطناعي – جامعة السوربون، باريس
0 تعليق