نداء المطر في ديوان "جمرة على فوّهة قلب" لثريّا فيّاض - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
نداء المطر في ديوان "جمرة على فوّهة قلب" لثريّا فيّاض - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الثلاثاء 1 يوليو 2025 09:10 صباحاً


تبرعم حنين الورق إلى فردوس مفقود، إلى وطن يهتف فيه الجمال وتتراقص فيه الأحلام والأحزان بنهم الطفولة. والقادم الصّافي هو الحبّ الذي تألّق في وجدان الشاعرة ثريّا فيّاض بتودّد، وكآبة، وغنج. وماجت الأعماق وثارت الألفة الصاخبة، فكان ديوان "جمرة على فوّهة قلب".

التزمت الشاعرة في مواضيعها الشعريّة، البساطة والوضوح في التعبير، وقضايا الأحاسيس والحبّ، والطبيعة، والأوطان... فتلك القضايا افترست أشواقها ولاشت أشياءها العاشقة، وتحوّلت لقاءً كاد أن يختصر مسافة الحلم، لكنّه حلم، وتلاشٍ يكاد يكون النغم الرائع المنبثق من الانسحاق.

إنّ الشاعرة التي تصخب مع إيقاعها، إيقاع الحبّ والحياة، تؤمن بالحزن والفرح عندما تتحوّل الأحاسيس شخوصاً على مرسح الأبجديّة. فكلّ حبٍّ ينتهي بفاجعة عشقيّة، يترك أثرًا في نفوس الشعراء. فهل بوح ثريّا فيّاض هي لغة العذاب، والعَوْدُ الرومانسيّ إلى الذات، رغم الوله العميق والتعشّق والتناهي بالعشق؟: "هو الحبُّ يسافر على أجنحة الكلمات/ يغوصُ في أعماق الأبجديّة/ ليرسم الدّمع والابتسامات/ يتخفّى بالكلام وبالصّمت/ هو الحبُّ يستوطن كلَّ شيء/ يستوطن الحزنَ كما الفرح/ هو الحبُّ هكذا/ من الحياة... وإلى الحياة يعود." (صفحة 13)

وصفت الشاعرة حبّاً قوامه وشم وجع على جدار الروح، وجع يصل إلى أعتاب السماء مع رائحة زهر الياسمين المعطّر بالدم. وسمعت الأرزة الأنين، فسيطرت الرهبة على الموقف. هنا انتفضت صرخة التحدّي في أعماقها، واستيقظ الحبّ الدفين للجمال والحياة، وودّ لو يغري السكون بالهزيج حتّى تتحوّل أغصان الأرز صنوجاً، وتنتشي الغابة لتبشّر بحميميّة المساءات: "من غربتهم لا يعودون/ بعضهم يغرق في سمائه/ يزهر في قاعه/ يرسم كفّاً من دمٍ/ يعطّرها بالياسمين/ ويمضي/ أو ينقش كلمات من وجع/ يغلّفها بأرزٍ لا يموت..." (صفحة 40)

لم يتّجه إيقاع التشتت والضياع نحو الحنين السلبيّ المنكمش الانطوائيّ، فالجمر الذي يطلق الشرارات خلال التمزّق، جعل الشاعرة تتّجه ضمن شكواها الإنسانيّة إلى إطلاق عاطفي، إلى تحدٍّ وصيرورة فعالية إيجابيّة، دمجت خلالها الحبّ مع الوطن. فكان تجسّد إيقاعي اتّخذ من الكلاسيكيّة الشعرية في شكلها الانفعالي قالباً له، ليستحث العشّاق على الإخلاص: "أضاعت قلباً/ بنَت فيه وطناً/ اعتقدَت أنّه لن ينكسر/ لم يَعُدِ الحبّ وطناً/ لم يَعُدٍ الوطن/ أغنيةَ الله والأنسان/ صار جمرةً ترقص/ على فوّهة قلبٍ يحترق." (صفحة 48)

الغيم قطيع سارح في حقول السماء، من دون اكتراث لصخب الرياح، يتألّق في أحضانها برجاء المطر الواعد، وضياء المواسم والمواعيد، كارتعاشة الروح التي تهفو إلى لذّة السكون الأبديّ الذي يغرق في خشوع الهوى. فيجزع القلب مهابة أن يهتك خدر الحلم القدسيّ: "هي غيمة ضعفٍ/ تهطل قويّةً/ في أعماقها/ لكنّها ستنبت نجاةً/ ولو بعد حين.../ نعم، ستنجو/ هي حتماً ستنجو/ من صفعة حلم." (صفحة 81)

كان المطر يؤنسها بندائه كرفيق درب، من مرحلة الولدنة إلى مرحلة الشباب. فقطفت الأمنيات من فوق العشب الغافي، قبل جدب الحواس وعتب الصمت. هي المسكونة بعاصفة لا تخفيها سماء وجه الحبيب، الملبّدة بتساؤلات وهواجس مستجدّة... فكم نقشت مع طيفه عندما توارت عن ناظريه الحروف والقبلات والأمنيات... لكن في لحظات الهدوء العميقة، حين يبدأ المطر بطرق النوافذ، يحاكي الحنين لحناً ساحراً. وتسمع الهمار جلجلاً يداعب الروح. فالمطر بلّل عدّة صفحات من الديوان بماء الحياء والشوق والفراق، وهذا بعضٌ ممّا ورد فيها: "إرْوِ يا مطرُ دروبنا/ لتزهر ربيعاً في قلوبنا/ يعدنا بسلام منتظر/ أهلاً بك أيّها المطر." (صفحة 16). "أشتاقك أيّها المطر/ أشتاقك/ وداعاً لصيف مضى/ أشتاقك/ ألواناً لربيع قادم، أشتاقك فرحاً طفولياً مبلّلاً بالذكريات..." (صفحة 34). "وها أنا أسمع تكتكات المطر/ على نوافذ الذاكرة/ فأشرّع أبواب القلب/ لأستقبل تلك الايّام الهاربة/ وذلك العمر الضائع..." (صفحة 64).

لقد كانت وحدة الحلم والواقع، المدموجيّن بالحنين والحبّ ووعد المطر، في ديوان "جمرة على فوّهة قلب"، تصوّراً سكونيّاً وذهنيّاً أقصى لحيويّة الذات، وديناميكية غير محدودة، وصراع وجودي صاخب بين السكون والحركة والمطلق والوجود.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق