رحلت ديان كيتون عن 79 عاماً، تاركة وراءها إرثاً سينمائياً نادراً وشخصية طبعت ذاكرة السينما الحديثة بفرادة حضورها وأناقتها وصدق أدائها.

وُلدت ديان هول في 5 كانون الثاني/يناير 1946 في لوس أنجلس، قبل أن تختار اسم "كيتون" كاسم فني. بدأت مسيرتها في المسرح والتلفزيون، ثم حظيت بفرصتها الكبرى عندما اختارها فرنسيس فورد كوبولا لتجسيد شخصية كاي آدامز في "العرّاب" (1972)، وهو الدور الذي فتح أمامها أبواب العالمية.

ديان كيتون مع آل باتشينو في “العراب“. (Getty Images)

لكن التعاون مع وودي ألن، وخصوصاً في "آني هول" (1977)، شكّل محطة حاسمة في مسيرتها؛ قدّمت حينها شخصية تجمع العفوية والهشاشة والذكاء بأسلوب جديد على السينما الأميركية، حصدت عنه جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، ورسّخت به صورة المرأة المستقلة التي توازن بين الطرافة والعمق.

قدّمت كيتون أدواراً متنوّعة تجاوزت إطار الكوميديا الرومانسية التي اشتهرت بها. في "ريدز" (1981) و"مارفنز روم" (1996) و"شيء يجب أن يُعطى" (2003)، كشفت وجهاً درامياً يفيض بالعاطفة والنضج. وفي المقابل، لامست قلوب الجماهير في أفلام جماهيرية مثل "والد العروس" (1991) و"نادي الزوجات الأول" (1996) بفضل خفّتها وصدقها الفطري.
واستمر عطاؤها حتى السنوات الأخيرة من حياتها، حيث شاركت في "نادي الكتاب" (2018) وجزئه الثاني، وصولاً إلى ظهورها الأخير في "المخيّم الصيفي" (2024)، مؤكدة أنها لم تفقد شغفها بالفن حتى النهاية.

ديان كيتون في الجزء الثاني من “العراب“. (Getty Images)

ما وراء الشاشة
كانت ديان كيتون رمزاً لأسلوب حياة وفكر وفنّ. صنعت هوية بصرية خاصة بها، بطبقات من البساطة والأناقة المتمرّدة: قبّعاتها الواسعة، ستراتها الرجالية، سراويلها الفضفاضة وياقاتها المغلقة، جميعها شكّلت توقيعاً شخصياً ألهم عالم الموضة.

إلى جانب التمثيل، انشغلت بالتصوير الفوتوغرافي والهندسة المعمارية، فجمعت صوراً وحرّرت كتباً احتفت بالجمال المهمل، وكانت تقول إنها تعشق "الأبواب والمتاجر المهجورة" لأنها تذكّرها بما يرحل ويبقى في آن. كما خاضت تجربة الإنتاج في أعمال عدّة، مدفوعة بفضولها الدائم تجاه فنّ السرد من مختلف زواياه.

ديان كيتون مع يوجين ليفي في “المخيم الصيفي“. (جيفري سميث)

أما حياتها الخاصة فظلّت بعيدة عن الإعلام. لم تتزوج يوماً، لكنها تبنّت في الخمسينيات من عمرها طفلين، ديكستر وديوك، وقد وصفها المقربون بأنها أمّ حنون وشغوفة.

وداع امرأة صنعت زمنها
توفيت كيتون في كاليفورنيا، ولم يُكشف عن سبب الوفاة، وقد ناشدت عائلتها احترام خصوصيتها في هذا الوقت الحزين. ومع انتشار الخبر، تهافتت رسائل الوداع من زملائها: ريس ويذرسبون تحدثت عن دعمها للجيل الجديد، جين فوندا وصفتها بـ"شعلة النور"، فيما قال بن ستيلر إنها "إحدى أعظم الممثلات في تاريخ السينما".

خلال عرض أزياء لرالف لورين عام 2023. (أ ف ب)

كانت ديان كيتون وفيّة لنفسها، مرحة، جريئة، ورافضة لأيّ قوالب جاهزة. رحلت كما عاشت، متمرّدة ومُلهمة. أفلامها تتحدّث عنها؛ عن تلك الهالة التي حملتها معها أينما حلّت: مزيج من الذكاء والعفوية والصدق الإنساني. وتظلّ ذكراها حيّة في الجمهور الذي تعلّم منها أن يعيش الحياة بشغف ويواجه التغيير بشجاعة.