قطر بين فاعلية القانون الدولي وتفعيله - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
قطر بين فاعلية القانون الدولي وتفعيله - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 10:45 صباحاً

عبد الحسين شعبان
مفكّر وأكاديمي عراقي

 

 

كثيرًا ما يُطرح السؤال عن فاعلية القانون الدولي في ظل ازدواجية المعايير وانتقائية نهج الدول المتنفّذة في العلاقات الدولية، وهو الأمر الذي يتجلّى على نحو صارخ في حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على سكان قطاع غزة وعموم فلسطين، فهل المسألة في الفاعلية أم عدم تفعيل قواعد القانون الدولي بالشكل المناسب والمطلوب ليقوم بدوره الفعّال والفاعل؟ علمًا بأن القواعد القانونية متوفّرة والمؤسسات الدولية موجودة واكتسبت خبرة طويلة.

 

ولكن الذي يعطّل القانون الدولي هو إرادة الدول المتسيّدة، التي تضرب القواعد القانونية الدولية عرض الحائط وتتغوّل عليها. ولكن ماذا سيكون مصير العالم في حال الاستغناء عن هذه القواعد؟ بالتأكيد ستكون النتائج المزيد من الفوضى والهيمنة، ومثال على ذلك العدوان الأخير على قطر، الذي يمكن أن يضيء جانبًا من إشكالية عدم تفعيل قواعد القانون الدولي، حتى لو كانت قواعده القانونية تمتلك فاعلية وحيوية لمواكبتها للتطوّر.

 

باستهداف مناطق سكنية في الدوحة تضم بعثات دبلوماسية ومدارس ورياض أطفال، ترتكب إسرائيل انتهاكات سافرة جديدة لقواعد القانون الدولي، فما بالك حين تقوم بمثل هذه الأعمال العدوانية على أراضي دولة وافقت هي على أن تقوم بدور الوساطة، الأمر الذي يُعتبر انتهاكًا إضافيًا لقواعد القانون الدولي المعاصر.

 

‏ومع انتهاكات إسرائيل للمنظومة الدولية المتمثّلة بميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، إلّا أنها تحاول بين الفينة والأخرى تقديم قراءات انتقائية ومشوّهة للقانون الدولي لتبرير عدوانها، فتارةً تزعم بأحقيتها في الاحتفاظ بالأراضي التي احتلّتها، وأخرى تبرّر قيامها بالعدوان تحت عنوان "الدفاع عن النفس"، وثالثة تشنّ "حربًا استباقيةً" أو "وقائيةً" بحجة حماية مصالحها الحيوية من خطر وشيك الوقوع أو هجوم مرتقب، وهكذا. علمًا بأن المجتمع الدولي توصّل بعد حوارات ونقاشات وجدالات استمرت لنحو أربعة عقود من الزمن، منذ عهد عصبة الأمم إلى عهد الأمم المتحدة، إلى تعريف جامع للعدوان في العام 1974، فثمة فوارق جوهرية بين العدوان والدفاع عن النفس.

 

ولعلّ الغارة الإسرائيلية على الدوحة تُمثلّ حلقة جديدة من تنكّر إسرائيل للمعايير القانونية الدولية ولمبادئ السيادة والسلامة الإقليمية، فضلّا عن الحرمة التي تُمنح عادةً للدول الوسيطة، بما فيها حماية السكان المدنيين.
 إن الغارة الإسرائيلية على قطر تمسّ جوهر النظام القانوني الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، خصوصًا استخدام القوة والتهديد بها في مخالفة صريحة للمادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، فضلًا عن مبادئ التعايش السلمي في العلاقات الدولية التي صدرت عن الأمم المتحدة في العام 1970، ويمكن هنا الإشارة أيضًا إلى وثيقة هلسنكي لعام 1975، التي تُعتبر قواعد شارعة أي منشأة لقواعد قانونية جديدة أو مثبّتة لها، وقّعت عليها 33 دولة أوروبية، إضافة إلى أمريكا وكندا، في إطار مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي.

 

ولا يمكن لإسرائيل أن تتذرّع بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي للدول حق الدفاع عن النفس بخصوص غارتها العسكرية على الدوحة، وهو ما يتعارض مع الشرعية الدولية، حيث لم يأذن لها مجلس الأمن بذلك، ضمن الفصل السابع من الميثاق (المواد من 39 - 42)، يضاف إلى ذلك أن الغارة تعتبر خرقًا للقانون الإنساني الدولي، لا سيّما عدم التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية، وهو ما يخالف بروتوكولي جنيف الإضافيين لعام 1977 الملحقين باتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والمقصود بذلك البروتوكول الأول - الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة؛ والبروتوكول الثاني – الخاص بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية.

 

إن هجوم إسرائيل على قطر استهدف تقويض عملية الوساطة المعترف بها دوليًا، بما يتجاوز نطاق العلاقات الثنائية ليهدد الجهد العالمي الخاص بحلّ النزاعات (عبر الوساطة)، وقد عبّر المفوض السامي التابع للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك عن ذلك قائلًا أنه ينال من حرمة العمل الدبلوماسي، وهو سابقة خطيرة كانت قد وضعت قواعدها منذ اتفاقية ويستفاليا العام 1648 لضمان سلامة المفاوضين.

 

‏وبإمكان قطر اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة إسرائيل وطلب تدابير مؤقتة لدرء الأضرار التي لحقت بها وحفاظًا على حقوقها والمطالبة بالتعويض المادي والمعنوي، بما فيها تقديم الاعتذار الرسمي الصريح والمعلن، لأن الهجوم الإسرائيلي هو عمل غير مشروع ويتطلّب من المجتمع الدولي إجبار المُعتدي على الامتثال لقواعد القانون الدولي، وتقديم ضمانات لعدم تكراره، وجبر الضرر والتعويض عن انتهاكات السيادة.

 

‏إن عدوان إسرائيل على قطر (9 أيلول / سبتمبر 2025) يعني أنها غير مكترثة بقواعد القانون الدولي، ويمكن أن تكرر مثل هذا العمل ضدّ قطر أو أي دولة أخرى، طالما تتلاعب بقواعده، خصوصًا محاولة إفلاتها من العقاب، لاسيّما حين تلقى حماية من أعظم دولة في العالم، وأعني بها الولايات المتحدة، التي تستخدم الفيتو المتكرّر لمنع إصدار قرار من مجلس الأمن يدينها. 

 

إن خطورة مثل هذا التصرّف الذي تقوم به إسرائيل لا يقتصر على البلد المعتَدي عليه، بل على الدبلوماسية العالمية، وهو الأمر الذي يضع على عاتق مجلس الأمن مسؤولية حماية السلم والأمن الدوليين، بتفعيل قواعد القانون الدولي لكي تقوم بدورها الفعال.

 

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : قطر بين فاعلية القانون الدولي وتفعيله - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 10:45 صباحاً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق