نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الرجال يعانون بصمت... متى يُسمح لهم بالكلام؟ - شبكة جدة الإخبارية, اليوم السبت 28 يونيو 2025 05:25 مساءً
غالباً ما تقول النساء – وربما جميعهن – إنّ فهم الرجال مهمّة شبه مستحيلة. فهم لا يتكلمون كثيراً، وإن فعلوا، تبقى رسائلهم غامضة وغير مفهومة. لكن بمناسبة شهر التوعية على الصحّة النفسية للرجال، قرّرنا كسر هذا الصمت... ومحاولة الدخول إلى عالمهم الداخلي، لنفهم ما الذي يدور فعلاً في عقولهم.
تقول المعالجة النفسية إليسا رشدان لـ"النهار" إنّ "معظم الرجال يعانون بصمت"، فهم نشأوا على فكرة مفادها أن الرجل الحقيقي يجب أن يكون قويّاً، ممنوعاً من البكاء أو التعبير عن مشاعره. هذه التربية، تضيف رشدان، جعلت الكثير من الرجال يخفون آلامهم، همومهم، وحتى اكتئابهم، تحت قناع الصلابة.
الضغوط المجتمعية لها دور محوري في هذا الصمت. فالرجل غالباً ما يُحمّل مسؤولية دعم العائلة دائماً، ويُتوقَّع منه أن يكون صامداً، جاهزاً، وقادراً في كل الظروف. أما الضعف؟ فلا مكان له في هذه المعادلة.

انعزال الرجال وصمتهم (إنترنت)
أما عن الأسباب التي تجعل الرجال لا يعبّرون بصراحة عمّا يشعرون به، فتوضح رشدان أنّها تعود إلى عوامل متجذّرة في التربية والثقافة المجتمعية.
وتقول: "أبرز هذه الأسباب هو الضغط الاجتماعي الذي يُحرّم على الرجل أن يُظهر مشاعره أو يعبّر عن انزعاجه، حتى لو كان يمرّ بأوقات صعبة. منذ الطفولة، يتربّى الذكور على فكرة أنّ التعبير عن الإحساس ضعف، وأنّ مشاركته أمر 'مخجل'".
وتُضيف أنّ الأهل يؤدّون دوراً كبيراً في ترسيخ هذه الفكرة، من خلال عبارات شائعة مثل: "الرجال لا يبكون" أو "كُن قويّاً، لا تتصرّف كالأطفال". وهكذا، يكبر الكثير من الشبان وهم يتعلّمون كبت مشاعرهم، إلى أن تصبح عادة يصعب كسرها لاحقاً.
وحين يكبر الرجل وينضج، يكون قد أتقن فنّ كبت مشاعره وإخفائها بإحكام. وبدلاً من التعبير عمّا يعتمل في داخله، يلجأ غالباً إلى العمل المفرط، أو إلى نوبات غضب متكررة، حتى لو كان على شفير الانهيار النفسي. فالتعبير ليس خياراً متاحاً في قاموسه، بل ضعف يجب تجنّبه بأيّ ثمن.

الكآبة التي تصيب الرجال (إنترنت)
ولا يمكن تجاهل الأحكام المسبقة التي يواجهها الرجال في مجتمعاتنا، حيث تبقى "السمعة" جزءاً أساسياً من هويتهم. فالرجل كما تربّى، عليه أن يكون قويّاً، متماسكاً، لا يطلب المساعدة، ولا "يحتاج" إلى علاج نفسي. هذا التصوّر المجتمعي الصارم يمنع الكثيرين من السعي خلف الدعم، ما يؤدي إلى تراكم الأزمات في الداخل.
وتتابع رشدان: "الرجل يظن أنه يجب أن يحلّ مشكلاته بنفسه، وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الانعزال، أو اللجوء إلى سلوكيات هروبية مثل التدخين أو الشرب... بدلاً من المواجهة الصحية."
وما يزيد الطين بلّة هو الوضع الاقتصادي الضاغط، الذي يحمّل الرجل مسؤوليات متزايدة في تأمين المعيشة، ما يخلق طبقة إضافية من الضغط النفسي، ويجعل من الصعب عليه التوقّف، أو حتى أن يسأل نفسه: كيف أشعر؟ وكيف أساعد نفسي؟
صمت الرجل ليس دليلاً على القوة، بل في كثير من الأحيان هو صرخة مكتومة لا تجد طريقها إلى الخارج. وراء هذا الصمت، تختبئ مخاوف، ضغوط، وجروح لا يُسمح له غالباً بالاعتراف بها. لكن كسر هذا الصمت لا يقلل من رجولته، بل يؤكد إنسانيته.
ربما آن الأوان لأن نعيد تعريف "القوة" بعيداً عن الإنكار والكبت، وأن نمنح الرجال مساحةً آمنة ليقولوا ببساطة: "أنا لست بخير"... دون أن يُساء فهمهم، أو يُحكم عليهم.
0 تعليق