تغيرت كرة القدم العالمية على نحو كبير؛ قوى كلاسيكية باتت تسكن المقاعد الخلفية على غرار الثلاثي الكبير البرازيل وألمانيا وإيطاليا مفسحة المجال أمام قوى أخرى أبرزها فرنسا والبرتغال والأرجنتين. وإزاء هذا الوضع، تدار محرّكات استعادة الأمجاد قبل نهائيات كأس العالم المقبلة في أميركا الشمالية.

تخلى المنتخب البرازيلي عن فلسفته، وأراد مسؤولو الاتحاد المحلي التكيف مع الواقع الحالي وسطوة الأوروبيين من خلال التعاقد مع أحد أنجح المدربين على مستوى الأندية الإيطالي كارلو أنشيلوتي. وينشد المنتخب الإيطالي كسر الصيام عن النهائيات العالمية بعد غياب لنسختين متتاليتين مع منح الثقة للمدرب "المقاتل" جينارو غاتوزو.

أما المنتخب الألماني، فأسند مهمة التدريب إلى المدرب الشاب يوليان ناغلسمان، إذ يسعى إلى بناء جيل جديد بعد أفول نجم حقبة أبطال العالم 2014.

قبل سنوات، كانت للمنتخب الألماني طفرة على مستوى النجوم، إلا أنّ الأحلام سرعان ما تبددت مع صدمتين عالميتين قاسيتين في آخر نسختين، إذ ودّع "دي مانشافت" البطولة من الدور الأول، ثم تكرّرت النكسات في نسختين لكأس أوروبا وصولاً إلى النسخة الأخيرة من دوري الأمم. وللمفارقة، كانت البطولتان القاريتان الأخيرتان على أرضه وبين جماهيره.

راكم المدرب ناغلسمان خبرات دولية، وأدرك أنه يحتاج إلى نهج تكتيكي مختلف يلبي حاجته إلى النتائج القوية، إذ برزت دوماً مشكلة المهاجم الصريح أو رأس الحربة.

لم تقنع أسماء مثل نيكلاس فولكروغ أو دنيز أونداف أو كاي هافيرتز، التي كان الاعتماد عليها في المرحلة السابقة لعدم وجود سواها، إلا أنّ الأمور على ما يبدو تبدلت حالياً، إذ يبرز لاعب بوروسيا دورتموند ماكسيمليان بايير (22 سنة) ونيك فولتمايد (23 سنة) كمرشحين لشغل هذا المركز، وخصوصاً  هداف شتوتغارت.

نيك فولتمايد مع شتوتغارت. (وكالات)

يلقب فولتمايد بـ"وحيد القرن" في الكرة الألمانية، نظراً إلى طوله الفارع (1,98 متر). نموذج نادر يجمع بين البنية الجسدية الهائلة والذكاء الفني اللافت.

تطوّر اللاعب الشاب على نحو سريع؛ فمن لاعب مغمور لم يسجل سوى هدفين في أكثر من خمسين مباراة مع فيردر بريمن، إلى أحد أبرز نجوم شتوتغارت ومنتخب ألمانيا للشباب، وصولاً إلى ارتداء قميص منتخب "الماكينات"، بات فولتمايد قصة صعود تستحق التوقف عندها.

منذ نعومة أظافره فوق العشب الأخضر، لفت فولتمايد الأنظار، بحيث أظهر مبكراً لمسات فنية رفيعة وقدرة على المراوغة، وموهبة صقلها باجتهاد فردي، خصوصاً عبر تدريبات خاصة في آخر ثماني سنوات بحسب مدربيه السابقين.

في الموسم المنصرم، تفجرت موهبة المهاجم الشاب، مسجلاً 12 هدفاً في الدوري، و5 أهداف في كأس ألمانيا، كان أحدها حاسماً في نصف النهائي، ليتوّج لاحقًا بلقب البطولة. لكن الأهم من الأهداف، هو كيف سجلها: بحرفية في التمركز، لمسات دقيقة، وتمريرات حاسمة، وقدرة على خلق المساحات.

وقال عنه مدربه سيباستيان هوينس: "نيك يمتلك مزيجاً نادراً من المهارة البدنية والفنية، إنه يعرف كيف يراوغ، كيف يمرّر، وكيف يحتفظ بالكرة تحت الضغط. ما زال يحتاج إلى صقل في الضربات الرأسية، لكننا نتحدث عن لاعب استثنائي بكل المقاييس".

هذه الأرقام خولته ارتاء قميص المنتخب الأول؛ لعب أساسياً أمام البرتغال في نهائيات دوري الأمم، ولم يسجل، لكنه قدّم أداءً وصفه ناغلسمان بأنه "واعد". وقال المدرب: "لا ننتظر المعجزات من لاعب في بداياته، لكنه لعب بذكاء، وقدم إشارات إيجابية للغاية.

كذلك منحته صحيفة "بيلد" ألقاباً مثل "ماكينة الأهداف" واعتبرته "قصة نجاح ناعمة لشخص رائع قبل أن يكون نجماً"، وهذا ما يفسر ارتفاع قيمته السوقية من 7 ملايين يورو إلى نحو 40 مليون يورو في بضعة أشهر فقط.

يراه العديد من الفرق ولا سيما منها بايرن ميونيخ، مشروعاً متكاملاً يجمع الذكاء، التواضع، والرغبة في التطوّر. في زمنٍ تعاني فيه ألمانيا من ندرة المواهب الهجومية، قد يكون فولتمايد هو القطعة المفقودة في أحجية إعادة بناء المنتخب الألماني الطامح لاستعادة "هيبة أمة كرة القدم".