الحروب والمسائل الجيوسياسية - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الحروب والمسائل الجيوسياسية - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 08:30 مساءً

أنطوان واكيم

"لفهم واقع المشكلات، اتبعوا الأموال".

جون لو كار

في نهاية عام 2002، أصدر البنتاغون دراسة موقعة من دونالد رامسفيلد وأعضاء آخرين في الإدارة الأميركية، أشارت إلى أنه بحلول عام 2017، ستكون الصين العدوّ الرئيسي للولايات المتحدة. وخلص استقراء المحللين من مراكز الأبحاث العسكرية، بعد الأخذ في الاعتبار الاتجاهات الديموغرافية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، إلى أنه بحلول عام 2017، ستبدأ المملكة الوسطى بالاستهلاك أكثر من اللازم.

وترتبط الصين والولايات المتحدة ارتباطاً وثيقاً من الناحية الاقتصادية لدرجة أن المملكة الوسطى يمكن أن تصبح خصماً لا يمكننا محاربته، بل يمكننا عزله وتطويقه ووضعه في حالة عجز من الناحية العسكرية.

إن ما يجري منذ بداية الحرب في أوكرانيا، مروراً بغزة ولبنان وسوريا وأخيراً إيران، ليس أكثر من حرب عالمية غير متكافئة ذات آثار جيوسياسية واقتصادية كبرى، تهدف إلى ضمان استمرار هيمنة الإمبراطورية الأميركية، والحفاظ على أحادية القطب في العالم، وسيادة الدولار، واستعمار أسواق جديدة للاقتصاد الأميركي المثقل بالديون.

وكما حدث في أوكرانيا، فإلى جانب صفقة المعادن النادرة واستغلال الموارد الطبيعية، تشارك أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم "بلاك روك"، في إعادة الإعمار والزراعة والصناعة، مع بنوك مثل "جي بي مورغان" وخبراء استراتيجيين مثل ماكينزي.

وقد كان تطويق الصين قائماً منذ سنوات؛ فإلى جانب انتشار القوات البحرية الأميركية في بحر الصين أو في جزر في المحيط الهندي مثل دييغو غارسيا جنوباً، تمتد القواعد العسكرية الأميركية من اليابان إلى كوريا الجنوبية وغوام والفيليبين ومناطق أخرى شرقاً. أما في الغرب، فهناك قواعد في أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وقيرغيزستان، تُستخدم أيضاً للتشويش الإلكتروني على الصين والتحكم في الاتصالات.

ونظراً إلى موقعها الجغرافي ومواردها الطبيعية، تشكل إيران جسراً يربط بين روسيا والصين، وبالتالي فهي عضو رئيسي في مجموعة "البريكس" ومنظمة شنغهاي للتعاون. تُضاف إلى ذلك اتفاقية التعاون الاستراتيجي الموقعة مع الصين في عام 2021، التي تضمن استثمارات صينية ضخمة بقيمة 400 مليار دولار مقابل سعر مغرٍ للمواد الهيدروكربونية الإيرانية.

ومن الناحية الجغرافية أيضاً، فإن إيران، بالإضافة إلى أوكرانيا، هي ممرّ مشمول بمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تجاوزها الممر الهندي الذي دُشّن في أيلول/ سبتمبر 2023 قبل 7 تشرين الأول أكتوبر. مع العلم بأن الهند دعمت إسرائيل في حربها ضد "حماس" والإبادة الجماعية في غزة.

إذن يجب قصف إيران. والحقيقة أن إسرائيل هي التي بدأت الحرب بذريعة التهديد النووي. ولكن لا تخطئوا: الولايات المتحدة هي التي تشن الحرب بواسطة إسرائيل، وليس العكس. يجري حث النظام الإيراني على تغيير سياسته تجاه الغرب، وبالتالي يصبح بقاؤه على المحك، فخطط واشنطن تقتضي ذلك.

يجب تدمير محور المقاومة والهيمنة على إيران من أجل ضمان الهيمنة الأميركية على غرب آسيا والشرق الأوسط، واستعمار فلسطين التي طغت عليها الأحداث الحالية وتُركت للقتل أو التهجير والله أعلم، تدمير القدرات العسكرية الإيرانية، حتى في حال تغيير النظام كما هي الحال في سوريا، وكسر الجسر الأساسي بين روسيا والصين، وزعزعة استقرار دول البريكس وخطتها لعملة موحدة بديلة، وفوق كل ذلك إصدار تحذير لكل من قد يحاول تهديد البترودولار والعملة البترودولارية للإمبراطورية.

إنها بداية حقبة جديدة: حرب باردة مع الصين. فالإمبراطورية الأميركية المثقلة بالديون والمشكلات الاجتماعية الداخلية تحارب لتحقيق الهيمنة. إنها حرب باردة ذات أوجه متعددة: اقتصادية وتجارية وعسكرية، وفوق كل ذلك تكنولوجية، مع التنافس والسباق على الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا النانو، والروبوتات، والفيزياء الكمية، إلخ...

يجب على "حزب الله" في لبنان أن يفهم أن هذه الأحداث لا تتجاوزه وحده، بل تتجاوز الدول والقوى الإقليمية برمّتها. إنها حرب بين قوتين عملاقتين، أي بين جبّارين، وفي هذه الحالة علينا أن نخفض رؤوسنا كما يقول المثل اللبناني. لقد تغيرت المعادلة القديمة منذ مجيء نظام الملالي عام 1979، التي كانت تؤجج التنافس والحروب بين السنة والشيعة بكل ما وفره ذلك من مزايا للغرب منذ ذلك الحين، لكن هذه المعادلة تغيّرت في منطقتنا.

إن الانخراط في هذا الصراع الجديد عسكرياً لن يكون انتحارياً فحسب، بل سيكون عديم الجدوى والخطورة على الإطلاق، لأنه سيوفِّر للعدو الإسرائيلي ذريعة لتدمير البلد هذه المرة على الأرجح.

وفوق كل ذلك، تسعى هذه الإمبراطورية إلى الاستقرار في لبنان، بما يخدم مصالحها بالطبع، لكنها في الوقت نفسه تمدّ يدها، ودائماً وفق مصالحها، لمساعدة البلد على الخروج من الهاوية الاقتصادية التي يعيشها منذ ست سنوات، حيث لم تفعل الطبقة السياسية الفاسدة في غالبيتها سوى إثراء نفسها أكثر على حساب الشعب اللبناني. ولمرة أولى، تلتقي مصالح الولايات المتحدة مع مصالح لبنان! ويجب على لبنان أن يغتنم هذه الفرصة مع الحفاظ على سيادته وتحرير أراضيه المحتلة، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا من خلال الديبلوماسية.

وكما يقول باولو كويلو في كتابه "دليل محارب النور": "إن ضراوة الطير لا تضاهي شراسة القطط". ولكي يحدث ذلك علينا أن نعلن حيادنا، وعلى "حزب الله" أن يتحلى بالحكمة لا بالأيديولوجيا، وأن ينفصل عن إيران ويعيد تعريف نفسه بالوطنيّة المتطرّفة ومصالحه القومية والشيعية، وأن يسلم سلاحه رسمياً إلى السلطة حتى نتمكن من بناء دولة قوية تستطيع أن تتابع التحولات الإقليمية وتستفيد منها.

وعلى اللبنانيين أن يستوعبوا التغييرات القادمة. كما يجب أن يفهموا أن نموذجهم الاقتصادي القديم قد عفا عليه الزمن. فنحن بحاجة إلى رؤية اقتصادية وثقافية تتكيف مع المستقبل. ونحن أيضاً بحاجة إلى الاستثمار في الزراعة والبنية التحتية والتكنولوجيا والصناعة والتصدير وحمايتها، وليس فقط الاعتماد على السياحة مع البقاء كمجتمع استهلاكي. لبنان يجب أن يكون منتجاً.

يجب على اللبنانيين أن يتحاوروا معاً لكي يصبح لبنان نموذجاً تلتقي فيه جميع الأديان وتعيش فيه بسلام. عليهم أن يتعلّموا كيف يطردون الفساد من عقولهم لكي يطردوه من المؤسسات العامة. لقد حان الوقت لكي تنهض الجمهورية اللبنانية من تحت الرماد وتنير العالم.

لا يملك لبنان القوة ولا النفوذ للوقوف في وجه مخططات هذا العملاق الذي يعاني العجز، عملاق جائع يستأثر بثروات الآخرين ويقترب من الإفلاس لدرجة أن الجميع يدعو له بصوت خافت من أجل نجاحه، وإلا فسيجر الكوكب إلى كارثة اقتصادية مدمرة. باختصار، إمبراطورية تقاتل من أجل تفوّقها وبقائها، مطبّقة مقولة لامبيدوزا من "جيبارد": "لكي يبقى كلّ شيء على حاله، يجب أن يتغير كل شيء".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق