نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
انتصار نموذج داعش... دين، أصولية، عنف، شمولية - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الثلاثاء 24 يونيو 2025 08:30 مساءً
أترك للمحورين ان يعلنوا عن انتصاراتهما بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. بالنسبة لي، المنتمي الى محور حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، لا أرى في ما جرى ويجري وسيجري، الا انتصاراً لنموذج داعش.
ربما لم تكن صدفة أن تفجّر داعش كنيسة في سوريا في اليوم نفسه الذي قصفت فيه الولايات المتحدة الاميركية المفاعل النووي الايراني. فالتحليلات كثيرة حول ارتباط داعش بأجهزة استخبارات ايرانية واميركية على حد سواء.
غير أنها على الارجح صدفة أن يأتي تفجير الكنيسة قبيل وقف إطلاق النار. لكنها صدفة خير من ميعاد. فقد أتى التفجير ليقول للجميع إن الذي انتصر بالفعل هو ما لا يزال يجري على الارض من أفعال إجرامية بحق المدنيين العزّل، والذي تجسّد داعش نموذجه الأمثل.
تلخص كلمة داعش بأحرفها الاربعة د ا ع ش، ما يُعرف بتنظيم
"ال(د)ولة ال(إ)سلامية في ال(ع)راق وال(ش)ام". لكنني أرى أن هذه الأحرف الاربعة انما تختصر أيضاً مواصفات تنظيم داعش بعقيدته وسلوكه: (د) دين، (ا) اصولية، (ع)عنف، (ش) شمولية.
واذا كان تنظيم داعش يجسّد بعقيدته وسلوكه أعلى درجات الاصولية الدينية التي تستخدم العنف لتطبيق عقيدتها الشمولية، فهذا لا يعني انه يحتكر هذه الصفات في منطقة الشرق الاوسط، بل هو يتشارك بهذه الصفات ولو بدرجات متفاوتة وخلطات مختلفة، مع دول وتنظيمات وتيارات لها التأثير الأكبر على التطورات العامة في المنطقة.
فلنستعرض سريعاً ما تعنيه هذه الصفات.
الدين هو مجموعة من المعتقدات والسلوكيات البشرية مرتبطة بالروحانيات أو بما وراء الطبيعة أو بالإلهيات. بإختصار ان الدين هو ما شرعه الله لعباده من عقائد وأحكام، وهم بالتالي ملزمون بالخضوع لها. ومن مرادفات الدين الخضوع من قبل الانسان، الممنوع عليه اعتناق معتقدات واعتماد سلوكيات تناقض أحكام الدين، او تستمد مرجعيتها من مصادر أخرى، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أو العلمانية أو الاشتراكية، أو أي عقيدة أخرى من نتاج التجربة الانسانية الخالصة.
الأصولية هي التمسك بالقواعد الدينية الأساسية والأصول المنصوص عنها، مع إبقاء أقل قدر ممكن من التغيير أو التكيف مع الظروف المتبدلة.
العنف هو استخدام القوة، جسدياً أو بواسطة السلاح، سواء للتهديد أو للإيذاء الفعلي ضد شخص أو مجموعة أو مجتمع، وقد يؤدي العنف أو يحتمل أن يؤدي إلى الإصابة أو الوفاة أو الضرر النفسي أو سوء النمو أو الحرمان.
اما الشمولية أو الكُليَّانية فهو مفهوم مستخدم من علماء السياسة لوصف الدولة التي تحاول فرض سلطتها الكاملة على المجتمع وتعمل على السيطرة والتدخل في كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والشخصية.
لا تحتكر داعش هذه الصفات، بل نجد خلطات متعددة من هذه الصفات خاصة عند إسرائيل وتياراتها الدينية وإيران وسوريا وعقائد حكامها وانظمتها، وكذلك عند تنظيمات مثل الاخوان المسلمين وحزب الله. وإذا كانت تنظيمات مسيحية لم تجمع بعد في عقيدتها وسلوكها هذه الصفات، غير أنها تتشرب أكثر فأكثر روحيتها، مستمدة الإلهام من التيارات المسيحية المتطرفة في أوروبا واميركا. فهذه الأخيرة هي أيضا ذات عقيدة دينية تميل الى الاصولية (البروتستانتية الصهيونية مثلا) وإن كانت لا تتبناها كلياً بحكم تطور مجتمعاتها، كما انها بدورها تبرر العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، خاصة تجاه الشعوب والبلدان الأخرى. لكن دون ان يكون لها القدرة بعد على التحول الى قوى شمولية بفعل ترسّخ قيم الحرية والديمقراطية عبر التاريخ وخاصة بعد تجارب النازية والفاشية والشيوعية.
من اللافت ان كلمة الاصولية جاءت من عنوان سلسلة نشرات أو كتيبات سميت الأصول أو الأساسيات والتي ظهرت في الولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة 1910 ـ 1915 م واستخدم فيها مصطلح الأصول ليعنى عناصر العقيدة التقليدية أي النص كوحي وسلطة، وألوهية المسيح ومعجزة إنجاب مريم العذراء وغيرها من الثوابت التي يراها الأصوليون المسيحيون اليوم.
كما ان مصطلح الشمولية تطور في عشرينيات القرن العشرين من قبل المحامي الألماني النازي كارل شميت والفاشيست الإيطاليين.
نعم نموذج داعش هو الذي انتصر، وسيبقى منتصراً الى أجل غير مسمّى، حتى ولو تمكن الشرع من القضاء على التنظيم الذي قاده في فترة من الفترات. فالنموذج حيّ في عقول وقلوب أبناء وبنات الشرق الأوسط، بإحتضان كامل من الدول الغربية.
"فليبارك الله إسرائيل، فليبارك الله إيران، فليبارك الله الشرق الأوسط، فليبارك الله الولايات المتحدة الأميركية، وليبارك الله العالم بأسره!". هكذا خاطب ترامب العالم بعد إعلانه عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران. نسي ان يضيف "فليبارك الله نموذج داعش".
القاتل واحد في الشرق الاوسط، حتى ولو تعددت الأطراف المتقاتلة وتحمس أتباع المحاور لهذا أو ذاك.
القاتل هو المنتصر الدائم، انه نموذج داعش.
0 تعليق