نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الشطرنج على حافة الهاوية - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الخميس 3 يوليو 2025 01:25 مساءً
سجاد عابدي
في عالمٍ لم يعد فيه منطق صنع القرار خاضعًا ليقينيات الماضي أصبحت السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب من أكثر نماذج الألعاب الاستراتيجية تعقيدًا؛ أقرب إلى نظرية الألعاب والمنطق الضبابي منها إلى الدبلوماسية الكلاسيكية. خلال الأشهر الستة الماضية كان سلوك ترامب تجاه إيران وخاصةً الحرب الإسرائيلية الإيرانية التي استمرت 12 يومًا ثم الهجوم الأميركي المباشر على المنشآت النووية مثالًا على "لعبة معلومات ناقصة وأهداف متغيرة".
دخل ترامب الساحة بنموذج "المحصلة الصفرية"؛ نموذجٌ يُعادل فيه كل انتصار أميركي خسارةً كاملةً للطرف الآخر لكن الواقع على الأرض ليس بهذه البساطة. فرغم أنه صوّر الهجوم على نطنز وفوردو وأصفهان على أنه تدميرٌ كاملٌ للبنية التحتية النووية الإيرانية تُظهر تقارير مستقلة أن إيران احتفظت بجزءٍ كبيرٍ من قدراتها في بنيةٍ تحتيةٍ متناثرةٍ ومخفية. هذه "المعلومات الناقصة" جعلت ترامب يجهل تمامًا القدرة الحقيقية لإيران. هذا الجهل جعله غاضبًا وغير مستقر؛ غضبٌ يتجلى في تغريداته اللاذعة الأخيرة ضد الزعيم الإيراني لا يعلم ترامب مصير المواد المُخصبة الإيرانية وسرعة تعافيها النووي.
إيران تُرسل رسالة ردعٍ بهجومٍ مضادٍّ محدودٍ على العديد لكنها تُعدّل مستوى ردّها حتى لا تدخل الولايات المتحدة المرحلة الثانية من الهجوم هذا هو "توازن ناش" الحفاظ على التوتر دون تجاوز حدود الحرب الشاملة. ترامب أذكى من التورط في مستنقع أرضي لقد بُوِّغَ في وسائل الإعلام بغارته الجوية لكنها في الواقع ظلت محدودة.
لقد برزت الهوية التاريخية والحكمة الجماعية للأمة الإيرانية مرة أخرى بشكلٍ مثير للإعجاب وغير متوقع في لحظة حاسمة؛ وتشكلت موجة من الذكاء الوطني زعزعت معادلات العدو وأحبطت الأهداف الرئيسية للهجوم. لقد خلق منطق ترامب الضبابي أجواءً لا يمكن التنبؤ بها فهو يهدد وينكر ويهاجم ويتراجع ثم يهدد مجددًا. هذا الغموض يمنع طهران من التنبؤ بدقة بسلوك أميركا.
يظل ترامب في صورة "لعبة الدجاج" على مسار التوتر حتى اللحظة الأخيرة، لكنه يتوقف قبل مواجهة شاملة. وبما أنه لم يعد مرشحًا فلم يعد يهتم بالشعبية وأصبح متغير "إرث الحسم" أكثر أهمية بالنسبة له.
على المستوى الضبابي تتأرجح سياسة ترامب بين قطبين: من جهة الاستعداد للمفاوضات المباشرة ومن جهة أخرى التهديد بالهجوم العسكري وتتأرجح طهران أيضاً بين "المقاومة المحدودة" و"الرد المتماثل" و"المفاوضات المشروطة" و"الانتقام القاسي" و"استراتيجية الغموض".
السيناريو الأكثر ترجيحًا في الأشهر المقبلة هو استمرار هذه اللعبة الغامضة من غير المرجح أن يدخل ترامب في المرحلة البرية لكن احتمال تكرار الهجمات الجوية والسيبرانية مرتفع. ستواصل إيران لعبتها معتمدةً على الردع غير المتكافئ والعمليات بالوكالة وتعزيز دفاعاتها الصاروخية وتعقيد برنامجها النووي.
في نهاية المطاف لم تعد لعبة ترامب-إيران مجرد صراع إقليمي بل هي مثالٌ عمليٌّ على المنطق الضبابي ونظرية اللعبة وهندسة السرد في السياسة العالمية. ولعل سوء تقدير الولايات المتحدة لمدى الضرر الذي لحق بالمنشآت النووية سيجعل إيران الرابح في الجولة الثالثة من اللعبة. المفاوضات غير المباشرة، والهجمات المفاجئة، وفي نهاية المطاف المفاوضات المباشرة للتوصل إلى اتفاق شامل.
بعد الهجوم على القاعدة الأميركية وجّهت إيران رسالة إلى البيت الأبيض عبر قطر مفادها أنها لن تشنّ هجمات أخرى وأن ردّها قد انتهى وفي ردّ منفصل على إيران أكّد البيت الأبيض أنه لن يردّ عسكريًا على الهجوم الإيراني وأن الولايات المتحدة مستعدة لاستئناف المفاوضات بشأن الاتفاق النووي ثمّ تواصلت المحادثات بين الولايات المتحدة وإسرائيل وكذلك بين قطر وإيران للاتفاق على شروط وقف إطلاق النار وموعد بدئه.
تجدر الإشارة إلى أن ترامب قد يتحدث عن وقف إطلاق النار لكنه في خضم المفاوضات الدبلوماسية أيّد هجوم إسرائيل على إيران. إذا كان هذا وقف إطلاق النار حقيقيًا فهل ستوقف إسرائيل عملياتها الإرهابية والتخريبية؟
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية
0 تعليق