نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حرب باردة ثانية: صراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصّين - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الخميس 3 يوليو 2025 11:30 صباحاً
انهيار جدار برلين وتفكّك الاتحاد السوفياتي عام 1991، أعلن نهاية الحرب الباردة، فبات العالم مع الولايات المتحدة كقوة عظمى أحادي القطب. لكن المشهد الجيوسياسي لم يبق على حاله طويلًا، فبروز قوى جديدة وتصاعد طموحاتها أعاد تشكيل المعادلات الدولية. ندخل اليوم حقبة جديدة من التنافس المحتدم الذي يمكن وصفه بأنه "الحرب الباردة الثانية" بين الولايات المتحدة والصين. هذا الصراع ليس مجرد تنافس اقتصادي أو سياسي، بل هو صراع عميق على النفوذ والسيطرة على الموارد الحيوية، وفي مقدمها الطاقة.
تتجلى ملامح هذه الحرب الباردة الثانية بوضوح في الأزمات الإقليمية، ومنها الصراع الأخير بين إسرائيل وإيران. في جوهرها، هي حرب نفوذ وتأثير تدور رحاها حول موارد الطاقة، وطرق التجارة، والسيطرة على المناطق الاستراتيجية. يسعى كل طرف الى ضمان مصالحه وتقويض نفوذ الآخر، مما يخلق مشهدًا دوليًا معقدًا يشبه إلى حد كبير الحرب الباردة التي شهدها القرن الماضي، وإن كانت بملامح مختلفة.
تنفصل هذه الحرب الباردة الجديدة عن الرؤية الأميركية للسيطرة على موارد الطاقة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. تسعى واشنطن لإحكام قبضتها على إيران ومواردها الطبيعية، ليس لأسباب جيوسياسية تقليدية فحسب، بل لقطع الطريق على الصين التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط من مناطق متنوعة، بما في ذلك الخليج العربي، والبرازيل، والولايات المتحدة نفسها، وروسيا، وإيران.
تنظر الصين إلى وارداتها النفطية من الخليج والبرازيل بعين الريبة، إذ تعتبرها مناطق تحت النفوذ الأميركي، فإما أن هذه الدول تربطها تحالفات وثيقة مع واشنطن وإما أنها مهددة بالعقوبات. أما روسيا، فقد اهتزت ثقة بكين بها بعد الحوادث الأخيرة في الشرق الأوسط، حيث كانت الأنظمة الدفاعية الروسية في سوريا
S-400)تريومف) تخرج عن الخدمة عند دخول الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية. هذا دفع الصين إلى التركيز على إيران كخيار استراتيجي، كونها تحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حيث مخزون النفط الخام، ممثلة أكثر من 9% من إجمالي الاحتياطي العالمي، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية. وهذا ما يجعل إيران محط أنظار هاتين القوتين.
فالصّين ترى أن إيران تمثل نقطة يمكن السيطرة عليها بشكل أكبر، مما يضمن لها إمدادات الطاقة الحيوية بعيدًا من التأثير الأميركي المباشر. الصين لن تقبل خسارة إيران، لأن خسارتها تعني أن الصين التي استوردت خلال نيسان\أبريل 11.69 مليون برميل نفط يوميًا، ستصبح معتمدة على مصادر نفطية غير مضمونة. يثير هذا التوجه الصيني نحو إيران قلق واشنطن التي تسعى الى الحلٍ من دون ترسيخ الصين لتقدم نفوذها في منطقة حيوية مثل الشرق الأوسط، التي تعد شريانًا للطاقة العالمية.
في هذه الحرب الباردة الجديدة، يلعب اللاعبون الإقليميون والدوليون أدوارًا محورية تؤثر على مسار الصراع. على سبيل المثال، فقدت روسيا الثقة في المنطقة بسبب ما حدث في سوريا وإيران. وفي الوقت نفسه، فإن دول الخليج هي من طالبت أميركا بالتخلص من النووي الإيراني. يوضح هذا تعقيد الشبكة الجيوسياسية التي تعمل فيها الولايات المتحدة والصين.
فالدوافع الاستراتيجية العميقة تتحكم بتصرفات كل من الولايات المتحدة والصين في هذه المواجهة. بالنسبة الى الولايات المتحدة، تمثل السيطرة على موارد الطاقة العالمية، وخصوصاً في الشرق الأوسط، ركيزة أساسية لاستدامة هيمنتها العالمية. هذا لا يتعلق بالحاجات الاقتصادية الأميركية فحسب، بل بضمان قدرتها على التأثير في الأسواق العالمية وقطع الطريق على أي قوة صاعدة قد تهدد نفوذها. فضم إيران إلى جانبها، بما تملكه من احتياطيات نفطية ضخمة، يضمن لها إحكام قبضتها على أحد أهم مصادر الطاقة في العالم، ويحد من قدرة الصين على تأمين حاجاتها النفطية بشكل مستقل.
أما بالنسبة الى الصين، فإن تأمين مصادر الطاقة يمثل أولوية قصوى لدعم نموها الاقتصادي الهائل. لذلك، أصبحت إيران نقطة محورية لاستراتيجية الصين لضمان إمدادات الطاقة بعيدًا من التأثير الأميركي المباشر.
تتجاوز تداعيات هذه المواجهة الباردة مجرد الصراع على النفط. فهي تؤثر على الاستقرار الإقليمي والعالمي، وتخلق تحالفات جديدة وتفكك أخرى قديمة، وتبقي احتمال الانزلاق إلى مواجهة عسكرية مباشرة قائماً، حتى لو كانت بالوكالة وبعد اتفاق وقف إالنار، خصوصاً مع التوتر المتصاعد والمستقبل المجهول في مناطق النفوذ. إدارة هذا التنافس تتطلب ديبلوماسية حذرة واستراتيجيات تهدف إلى تجنب التصعيد غير المحسوب.
يتجه الصراع الحالي بين إسرائيل وإيران نحو منحَيَيْن: الأول مفاوضات على غرار الاتفاق مع أوباما، وهو الحل الأنسب لإنهاء الصراع. والآخر جولة ثانية من الحرب المدمرة بين إسرائيل وإيران، بقرار أميركي - صينيّ.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل رأت الإدارة الأميركية أن الضربات الأميركية الأخيرة جعلت طهران أقرب إلى واشنطن، أم أنها كانت خطوة غير موفقة جعلت طهران تميل أكثر من أي وقت مضى إلى بكين؟
إن طبيعة المشهد الدولي الحالي معقدة، إذ تتداخل المصالح وتتشابك التحالفات، ما يجعل من التكهن بالمسار المستقبلي لهذه الحرب الباردة الجديدة أمرًا صعبًا.
0 تعليق