لا أحد يشبه الآخر - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لا أحد يشبه الآخر - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الأربعاء 2 يوليو 2025 02:30 مساءً

د. محمّد ماجد *

 

حين كان دونالد Donald يحتفل بتخرّجه في جامعة وارتون بولاية بنسلفانيا، حاملاً شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ويستعدّ لتولّي مسؤوليّاته في شركة والده العقاريّة، ويلعب في فراغه Monopoly، كان فلاديمير Vladimir يذاكر دروس القانون في كليّة الحقوق بجامعة لينينغراد ويتابع تدريبات الجودو التي حمل فيها الحزام الأسود، وفي الوقت نفسه كان شي Xi يجري في حقول قرية ريفيّة نائية نُفي إليها ليعمل، مع الشباب "المغرّر بهم" خلال الثورة الثقافية، في الزراعة والبناء، ويعيش في كهف رمليّ، أمّا عليّ Ali، المتعمّق في الفقه الإسلاميّ في حوزتي مشهد وقم، فكان مستلقياً في سجن أودعه فيه الشاه يطالع بشغف رائعة هيغو "البؤساء"، وينظم الشعر وينشره باسم مستعار. كان كلّ ذلك في محيط عام 1968.

 

لم يتأخّر دونالد عن التجارة وبناء مملكته الماليّة، فقد شرع في عام 1975 يشتري بأموال والده العقارات وينخرط في عالم الأعمال في نيويورك، مواظباً على قراءة الكتاب المقدّس، ويطارد الشاشات ملتقطاً الصور مع مايكل جاكسون ونعومي كامبل، فيما كان فلاديمير يرتدي بزّة المخابرات السوفياتيّة KGB ويستمع لموسيقى موزارت وبيتهوفن، ويقرأ "الفرسان الثلاثة" لدوما، وحين كان شي يعبّئ عقله بمبادئ الاشتراكية الصينيّة ويقرأ أعمال تولستوي ودوستويفسكي وبالزاك، كان عليّ يتحضّر لنزع عباءة السجن والخروج من الاعتقال الثاني، الذي أتاح له ترجمة "في ظلال القرآن" لسيّد قطب وقراءة معظم روايات زيفاكو، لينخرط من جديد، في زيّه الدينيّ، في تحرّكات تطالب بالإطاحة بالشاه، سيكتب لها النّجاح بعد سنوات قليلة.

 

في عام 1989، وهي محطّة مفصليّة في تاريخ الأربعة، وقف دونالد مفتخراً في برجه Trump Tower في مانهاتن، بعدما أصبح مقاولاً مشهوراً في سوق العقارات بنيويورك، يسافر للاستجمام على يخته Trump Princess الذي اشتراه من رجل أعمال سعوديّ، أمّا فلاديمير فكان يرقب انهيار الاتحاد السوفياتيّ من موقعه مستشاراً في بلديّة سانت بيترسبرغ في صعود حثيث نحو مراكز القرار في روسيا بعد سقوط جدار برلين، وشي يلتحق بجامعة تسينغهوا Tsinghua لدراسة الهندسة الكيميائيّة، وأمّا عليّ فقد تولّى أرفع منصب بعد رحيل الخميني، المرشد الأعلى في جمهوريّة إيران الإسلاميّة، بعدما أُعلن عن مرجعيّته الفقهيّة العامّة.

 

ومع حلول عام 2016 وما تلاه، كان الأربعة في أعلى مواقع القرار، كلّ في بلده: دونالد رئيساً، يزيد على الكتاب المقدّس قراءة "الأمير" لميكيافيللي بإعجاب، فلاديمير يسبح في الصقيع ويغوص في المياه المتجمّدة ويعزف على البيانو، ورئيساً مدى الحياة تقريباً، شي يتمشّى مذاكراً "رأس المال" لماركس، ومطلقاً حملة إعادة هيكلة "الحزب فوق كلّ شيء"، مستعدّاً لانتخابه، بعد تغييرات دستورية، رئيساً مدى الحياة، وعليّ ينشد بصوته على المقامات الشعبيّة الفارسيّة، ويتلو بالعربيّة مقاطع من "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" لمحمود درويش، ويستعدّ لمواجهة تداعيات انسحاب الولايات المتّحدة من الاتفاق النوويّ، وإعادة ترسيم خريطة الشرق الأوسط.

 

واليوم يقف كلّ زعيم من الأربعة، لا واحد منهم يشبه الآخر، على ناصية حلمه: دونالد يلعب الغولف في أحد ملاعبه السبعة عشر، ويسعى إلى صفقة كبرى تعيد أميركا عظيمة مرّة أخرى، في كرة أرضيّة تشبه برجه الذهبيّ، وفلاديمير يتزلّج على الجليد ويركب الخيل بصدر عارٍ، يتصيّد لقيصريّة كبرى، من خلال تقويض النظام الغربيّ القائم والدفع نحو عالمٍ متعدد الأقطاب تشارك فيه روسيا بقوّة مجدداً، وشي يشاهد Game of Thrones وينتظر تحقيق الحلم الصينيّ القائم على النهضة الشاملة وإعادة إحياء الأمّة مركزاً عالميّاً ذا نفوذ رائد، وعليّ وهو يعزف على آلة الطار الوتريّة الشائعة في الموسيقى الفارسيّة والأذريّة والكرديّة وبعض مناطق القوقاز وآسيا الوسطى، في مجلسه الخاصّ، يتطلّع إلى تسليم راية العدل الإلهيّ في العالم إلى الإمام المهديّ المنتظر.

*باحث ومؤلّف تربويّ

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق