التمسك بالسلاح والتفريط بمشاركة المغتربين في الانتخابات: أين مصلحة "الشيعة" في كل ذلك؟ - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التمسك بالسلاح والتفريط بمشاركة المغتربين في الانتخابات: أين مصلحة "الشيعة" في كل ذلك؟ - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الثلاثاء 1 يوليو 2025 04:20 مساءً

قضيّتان سياسيتان بارزتان هذا الأسبوع: الأولى سلاح "حزب الله" والثانية "تصويت المغتربين في الانتخابات النيابيّة". وبتّ كل قضية ينتظر قرار "الثنائي الشيعي". ورغم أن "الثنائي الشيعي" يرفض هذه التسمية ويصرّ على تسميته بـ"الثنائي الوطني"، غير ان مواقفه المتكرّرة تعيدنا دائمًا الى هتاف "شيعة، شيعة، شيعة" الذي اشتهر أنصاره بإطلاقه في الساحات والشوارع، أي الى ما هو مذهبي وليس وطنيًّا.


ما سر هذا الهتاف؟ لماذا يتكرّر في مناسبة مذهبيّة كما في مناسبة وطنيّة من مثل انتفاضة 17 تشرين؟ لماذا يؤكّد عليه أنصار "الثنائي"، أيام هيمنته على السلطة في البلاد كما بعد انكسار حزب الله عسكريًّا أمام إسرائيل، وتراجع هذه الهيمنة؟

"شيعة، شيعة، شيعة" هو هتاف يكرّر كلمة "شيعة" ثلاث مرات، وهي كلمة تدل على انتماء مذهبي محدّد معروف في المجتمع اللبناني ويتميّز عن الإنتماءات المذهبيّة الأخرى. في التكرار تأكيد على الهويّة المذهبيّة وكأن الذي يهتف يريد تثبيت ما يقوله أمام الآخرين وعدم التراجع عنه.

في مسار تطور الفكر، هناك ما يُسمّى بـ"الجدليّة" أي البدء بطرح فكرة، ثم طرح نقيضها، وصولاً الى ما يُعرف بــ"المحصلة" أي ما يتحصّل جراء تلاقي الفكرة مع نقيضها. انها محاولة للإنتقال من فكرة الى أخرى، من خلال المرور بنقيضها، وهذا ما يساعد على تطوّر في الفكر وعدم ثباته وأحاديته.

ليس المسار الفكري الجدلي، المسار الوحيد القادر على الإنتقال من فكرة الى أخرى، لكنني أخترته كمثل لأنه أقرب الى الدلالة على ان الفكر يتطوّر من خلال تضارب أفكار أو وجهات نظر مختلفة حول موضوع معيّن.

هتاف "شيعة، شيعة، شيعة" يوحي وكأنه يصرّ على الإبقاء على فكرة واحدة وعلى تكرارها الى ما شاء الله، وعدم القدرة (على) أو الرغبة (في) الخروج من أحاديتها. يمكن ان نسمّيه "فكر مقفل" وغير قابل للتغيّر. فهو لا ينتج نقيضه أو لا يعترف بفكر آخر، يتطوّر من خلال التفاعل معه.

في القضيتين المطروحتين، سلاح حزب الله ومشاركة المغتربين في الإنتخابات، يبدو "الثنائي" متمسّكًا بالسلاح، ومعارضًا لإنتخاب المغتربين لــ 128 نائبًا وحصره بستة نواب كما في القانون الإنتخابي الحالي. وفي الحالتين هناك حجة "شيعيّة" كامنة وراء التمسّك أو الرفض. 

ليس مقنعًا ان تسليم سلاح حزب الله ينزع من يد لبنان عامل القوّة في صراعه مع إسرائيل، كما يردّد قيادات في حزب الله. فسلاح حزب الله أصبح عامل ضعف بعد ان تحوّل الى السبب الأول اليوم في الإنقسام الوطني، فضلاً عن انه فقد فاعليّته كقوّة ردع. لا بل ان إبقائه بيد حزب الله أصبح يهدّد الحزب وبيئته ومعهما لبنان الى المزيد من النكبات والمآسي، نتيجة عدوان إسرائيلي جديد كما يروَّج.

على الأرجح ان "الثنائي" لا يزال يعتقد ان السلاح هو "حاجة شيعيّة" في الصراع السياسي بين المذاهب والطوائف، وان التخلّي عنه يشكّل خطرًا على وجود الشيعة أو على موقعهم في التركيبة السياسيّة اللبنانيّة.

هذا "التخوّف الشيعي" غير مفهوم طالما ان المذاهب والطوائف الأخرى غير مسلّحة وطالما ان الجيش اللبناني هو من سيتولّى حماية الجميع، هذا الجيش الذي يشكّل الشيعة جزءًا كبيرًا منه أكان ذلك على مستوى العناصر أو على مستوى القيادات العسكريّة. هذه الإعتبارات تجعلنا نشكّ ان هذا "التخوّف" هو على وجود الشيعة وليس على قيادات "الثنائي الشيعي" في مواقعهم المتأتية من نفوذ السلاح. هذا الوجود الذي سيكون مهدَّدًا فعلاً من عدوان إسرائيلي جديد في حال لم يسلّم الحزب سلاحه.

ينسحب هذا "التخوّف" أيضًا على مسألة إنتخاب المغتربين لــ 128 نائبًا، إذ يعارض "الثنائي" تعديل القانون الحالي لتحقيق هذا الهدف. لم يفصح الرئيس بري عن سبب معارضته التعديل، لكنّه رفض وضع القانون المعجّل المكرّر الذي يسعى لهذا التعديل، على جدول أعمال الجلسة النيابيّة، في سابقة لم تحصل منذ 30 سنة.

في غياب الإفصاح عن "المخاوف الشيعيّة" من هذا التعديل، كان لافتًا موقف الحزب التقدّمي الإشتراكي، الذي افترض ان هذا التعديل يرمي الى تقليص حجم التمثيل الشيعي في التركيبة السياسيّة اللبنانيّة، وبإيعاز من الخارج.

لا يمكن تقليص حجم التمثيل الشيعي طالما هناك توافق على "الطائف"، والتوقّعات الديمغرافيّة لا تمهّد لذلك، على العكس. إذاً حجم التمثيل الشيعي لن يتغيّر إذا انتخب المغتربون الــ 128 نائبًا، لكن ما قد يتغيّر هو نوع التمثيل الشيعي، إذ قد يفقد "الثنائي" عندها قدرته عل احتكار هذا التمثيل لصالح معارضاته الشيعيّة.

مهما كانت الإفتراضات، إن مصلحة لبنان، ومعه شيعة لبنان، هي في مشاركة المغتربين الكاملة في الحياة السياسيّة اللبنانيّة. فمعظم العائلات اللبنانيّة تعتمد على تحويلاتهم من الخارج، كما انه يُعَوَّل عليهم في إعادة استنهاض بلادهم اقتصاديًّا وربما المشاركة في إعادة الإعمار الذي أكثر من يستفيد منه هم الشيعة. كذلك نستفيد من المغتربين في تشكيل لوبيات فاعلة في الخارج للحؤول دون استفراد بلادهم بالضغوطات الإسرائيليّة- الأميركيّة، وتدفيع اللبنانيين ثمن التسويات الإقليميّة.

لقد حان الوقت لينتقل الشيعة من هتاف "شيعة، شيعة، شيعة" الى هتاف "شيعة، المذاهب الأخرى، لبنان"، بمعنى انه لا بأس ان تكون الكلمة الأولى في الهتاف "شيعة" كما هي عند باقي المذاهب فيما يتعلّق بمذهبهم، لو هتفت بدورها. لكن على ان تكون الكلمة الثانية "المذاهب الأخرى"، أي ان يستمع كل مذهب لوجهة نظر المذاهب الأخرى حتى ولو كانت مناقضة لما يطرحه، على الاّ تتوقف عمليّة التفاعل عند هذا الحد، بل ان تتوصّل جميع المذاهب في تفاعلها الى "محصّلة" اسمها لبنان، يعيد الجميع بناءه بشكل مشترك ويطوّرون في صيغته وسياساته على مر السنين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق