في كتابه "رياض الصلح في زمنه"، يقدّم الكاتب والمؤرخ اللبناني أحمد بيضون مقاربة مختلفة ومفصّلة لحياة أحد أبرز رجالات الاستقلال في لبنان، رياض الصلح. يفوق العمل التوثيق، ويتوغّل في التفاصيل الصغيرة وفي خلفيات الأحداث المفصلية التي رسمت ملامح تلك المرحلة من التاريخ اللبناني والعربي، نستغرضها في هذه الحلقة من "قصة صغيرة" مع الزميلة ميشيل تويني.

ينطلق الكتاب من بدايات غير محسومة: لا تاريخ ولادة دقيقاً لرياض الصلح، ولا تأكيد حاسماً لمكانها، أكان في صيدا أم في بيروت، بين عامَي 1890 و1898. لعلّ هذا الغموض يفتح الباب أمام البحث في أصول تكوينه الشخصي والفكري، خصوصاً أنه تميّز بتفوّقه الدراسي وكان أصغر من زملائه في الصف.

" title="YouTube video player" frameborder="0">  

يخصص الكاتب حيّزاً مهماً للحديث عن البيئة التي نشأ فيها الصلح، متوقفاً عند والده رضا، أحد أبرز المعارضين للحكم العثماني، والذي اعتُقل وسُجن، بينما اغتيل معظم رفاقه في المعتقل. لكن رضا نجا ونُفي، وهو ما انعكس على وعي الإبن ونظرته إلى النضال والمواجهة.

الكتاب حافل بالوثائق والصور النادرة، بعضها يُنشر للمرة الأولى، ويغوص في محطات تاريخية مثل مؤتمر جنيف ووعد بلفور، مسلطاً الضوء على عام 1922 كمفصل مهم في مسيرة رياض الصلح السياسية.

يقسّم بيضون كتابه إلى خمس محطات محورية في حياة الصلح: الميثاق الوطني، المنفى والنضال، العلاقة مع سوريا، الاغتيال في عمّان، وتحوّلات الفكر السياسي نحو بناء دولة لبنان المستقلّة.

كتاب “رياض الصلح في زمنه“.

يوم 16 تمّوز/يوليو 1951، اغتيل رياض الصلح خلال زيارته للملك عبدالله في العاصمة الأردنية. لكن بيضون لا يقدّم اتهاماً مباشراً، بل يستعرض الملابسات ويطرح فرضية أن خلفية الاغتيال كانت إقليمية وليست محلية، نتيجة تضارب مصالح حول دور الصلح المتنامي في المنطقة.

ما يميز هذا العمل، إلى جانب غناه بالمراجع، هو السرد البعيد من العاطفة أو التقديس، والمنطلق من أدوات بحثية دقيقة. وكتاب "رياض الصلح في زمنه" مرآة لحقبة من تاريخ لبنان والمنطقة، وهو مرجع لمن يرغب في فهم الرجل وظرفه وزمنه.