محو الأمية الرقمية في لبنان: الذكاء الاصطناعي يدخل الهامش - شبكة جدة الإخبارية

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
محو الأمية الرقمية في لبنان: الذكاء الاصطناعي يدخل الهامش - شبكة جدة الإخبارية, اليوم الثلاثاء 1 يوليو 2025 10:20 صباحاً

في بلد يتفاوت فيه الوصول إلى التكنولوجيا من منطقة إلى أخرى، لا يبدو محو الأمية الرقمية مهمة تقنية فقط، بل خياراً اجتماعياً لتوسيع فرص المعرفة والتمكين. فالفجوة الرقمية لا تقاس فقط بالبنية التحتية، بل أيضًا بالقدرة على الفهم والتحليل والتفاعل مع الأدوات الحديثة. وهنا، يتحول الذكاء الاصطناعي من أداة تقنية إلى مدخل لتعزيز العدالة الرقمية والحق في التعلم، خصوصاً في البيئات التي لم تتوفر لها شروط النمو الرقمي المتكافئ.

 

من هذا الواقع، انطلقت تجربة ميدانية قادها الباحث في تكنولوجيا التربية المهندس أيمن حاطوم، ساعياً إلى إدماج أدوات الذكاء الاصطناعي ضمن برامج محو الأمية الرقمية التي تنفذها منظمات غير حكومية ومراكز تعليم غير نظامي في لبنان.
اعتمد حاطوم منهجية "البحث الإجرائي" التي تجمع بين التطبيق والتقييم المستمر، وركّز على استخدام أدوات مثل "تشات جي بي تي" و "مايكروسوفت كوبايلوت" ، بهدف تمكين المشاركين من التعامل العملي مع الذكاء الاصطناعي، وفهم إمكاناته ضمن حياتهم اليومية والمهنية. في مقابلة مع "النهار"، عرض أبرز محطات المشروع، من التحديات إلى التحولات.

 

فجوات رقمية... واستجابة متفاوتة
أوضح حاطوم أن أول التحديات كان الفجوة الرقمية بين الأجيال. الشباب الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و25 عامًا أظهروا انفتاحًا سريعًا، بينما أبدى الراشدون (فوق الثلاثين) ترددًا في البداية، نتيجة محدودية تجاربهم الرقمية السابقة وخوفهم من استخدام أدوات غير مألوفة.

 

في موازاة ذلك، ظهرت تحديات تتعلق بالبنية التحتية، خصوصاً في المناطق الطرفية حيث يعاني المتدربون من ضعف في الوصول إلى أجهزة مناسبة أو اتصال إنترنت مستقر. كما شكّلت التكاليف المرتبطة ببعض أدوات الذكاء الاصطناعي عائقاً إضافياً.

تحدٍّ آخر برز في ضعف الوعي بوظيفة الأدوات الذكية، إذ لم يكن واضحاً للعديد من المشاركين كيف يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي في مجالاتهم كالطب أو التعليم أو الأعمال. واستدعى ذلك تدريبًا إضافيًا يربط التقنية بسياقات العمل اليومي.
وفي ظل غياب سياسة وطنية واضحة لدمج الذكاء الاصطناعي في محو الأمية الرقمية، ظل المشروع قائمًا على جهود فردية ومبادرات أهلية محدودة الموارد.

 

تحولات تدريجية ونتائج واعدة
رغم هذه التحديات، بيّنت التجربة أن التفاعل مع الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحقق تدريجيًا. الشباب أقبلوا سريعًا على استخدام أدوات مثل "تشات جي بي تي" في الترجمة والبحث وإنشاء المحتوى. أما الراشدون، فقد تطوّر تفاعلهم مع الوقت، خصوصًا عند استخدام أدوات مألوفة مثل "ورد" و"إكسل"، مدعومة بخاصية "كوبايلوت" ، ما ساعدهم في إعداد تقارير العمل وتحليل البيانات.

 

 

 

وأشار حاطوم إلى أن المشاركين بدأوا يعتمدون على الذكاء الاصطناعي في التعلم الذاتي، وتبسيط المفاهيم، والبحث عن حلول عملية. كما أظهرت التجربة تحسناً ملحوظاً في الإنتاجية الرقمية، خاصة لدى العاملين في قطاعي التعليم والإدارة.

وقد تم قياس مدى جاهزية المتعلمين لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعلم باستخدام مقياس AILQ (الاستبيان الخاص بجاهزية التعلم المعتمِد على الذكاء الاصطناعي)، فيما استُخدم مقياس ABCE (الاتجاهات، السلوك، الكفاءة، والمشاركة) لقياس تأثير التفاعل مع أدوات الذكاء الاصطناعي على المعرفة، والمهارات، والسلوك الرقمي.

 

التوسيع ممكن... مع تكييف مدروس
يؤكد حاطوم أن هذا النموذج قابل للتوسيع في لبنان ودول الجوار، شرط توفير عدد من العوامل الأساسية، أبرزها:
• دعم مؤسساتي رسمي من الوزارات والجامعات.
• شراكات مع مزوّدي التكنولوجيا لتأمين الأدوات بأسعار مدعومة.
• تأهيل مدرّبين يجمعون بين المهارات التقنية والخبرة التربوية.
• محتوى تدريبي محلي يراعي اللغة والثقافة والاحتياجات المهنية.
• أدوات تقييم معيارية تضمن تحسين التجربة باستمرار.

 

أما الدول التي تشهد ظروفاً مشابهة كالأردن وسوريا والعراق، فهي مرشحة بقوة لاعتماد النموذج، شرط تعديله بحسب خصوصياتها المحلية.

 

نحو مشاركة رقمية عادلة ومستدامة
ما أظهرته هذه التجربة يتجاوز الأثر التقني المباشر، ليضيء على أهمية تعميم الذكاء الاصطناعي كأداة تعليمية واجتماعية قابلة للتكيّف. في ظل الواقع القائم، تبدو الحاجة ملحّة إلى استراتيجيات وطنية تُفعّل هذا النوع من المبادرات، وتستند إلى الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني، بهدف تعزيز المساواة الرقمية وتوسيع دائرة المستفيدين.

إن إدماج الذكاء الاصطناعي في محو الأمية الرقمية ليس مجرد تطوير للوسائل، بل خطوة نحو بناء مجتمع أكثر قدرة على الفهم والمساءلة والمشاركة الفاعلة في بيئة رقمية سريعة التحول.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق