أطفال السودان يواجهون الموت بسبب انهيار نظام التطعيم

في ظل ما تصفه منظمات الإغاثة بـ”أكبر أزمة إنسانية في العالم”، يواجه أطفال السودان تهديدات متزايدة، ليس فقط من ويلات النزاع، بل من أمراض مميتة، مع انهيار شبه تام في نظام التطعيم في البلاد.
فبحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، تراجعت معدلات تلقيح الأطفال الصغار في السودان بشكل حاد خلال عامين فقط، حيث انخفضت من أكثر من 90% عام 2022 إلى 48% فقط، وهي من أدنى النسب على مستوى العالم، بحسب ما نشرته صحيفة “ذا جارديان”.
ويعكس هذا الانهيار أزمة أعمق تضرب القطاع الصحي بأكمله، في بلد تمزقه الحرب الأهلية منذ عامين، والتي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، وأكدت الدكتورة تيدبابي ديجيفي هايليجبريل، رئيسة قسم الصحة في اليونيسف بالسودان، أن التراجع الحاد في التغطية الصحية لا يعود إلى تردد في تلقي اللقاحات أو انتشار معلومات مضللة، كما هو الحال في بعض الدول، بل “نتيجة مباشرة للحرب التي دمّرت البنية التحتية الصحية وأعاقت الوصول إلى الخدمات الأساسية”.
ليسوا على اتصال بالنظام الصحي
وبحسب منظمة الصحة العالمية، بلغ عدد الأطفال في السودان الذين لم يتلقوا جرعة واحدة من اللقاح عام 2023 نحو 838 ألف طفل، وهو ثالث أعلى رقم عالميًا بعد نيجيريا والهند، ويُعتبر تلقي الجرعة الأولى من لقاح الخناق والكزاز والسعال الديكي (DTP-1) مؤشرًا حاسمًا لقياس مدى ارتباط الطفل بنظام الرعاية الصحية.
وحذّرت هايليجبريل من أن “عدم تلقي هذه الجرعة يعني غالبًا أن الطفل وأسرته ليس لديهم أي اتصال بالنظام الصحي على الإطلاق”، ما يعمق الهوة الصحية بين الفئات الأشد ضعفًا وباقي السكان.
النظام الصحي ينهار.. والكوادر بلا أجور
تُعد الحرب أحد العوامل الرئيسية في تفاقم أزمة التطعيم، حيث تسببت في نزوح السكان، وتدمير المرافق الصحية، وانقطاع خطوط الإمداد الحيوية، إلى جانب توقف نظم المعلومات الصحية، وفق ما أشارت إليه هايليجبريل.
وأضافت: “العاملون في القطاع الصحي من أطباء وممرضين وقابلات لم يتقاضوا أجورهم منذ أشهر، فيما تُنهب الأدوية وتُدمر شبكات المياه النظيفة والكهرباء في المنشآت الصحية”، كما أن تفشي الأمراض بات يضرب أكثر من غيرهم أولئك الذين فقدوا مساكنهم أو يقيمون في مخيمات مكتظة، ما يفاقم معاناة الأطفال غير الملقحين.
مواجهة خطر الموت
وحذّرت اليونيسف من أن الأطفال الذين لم يحصلوا على لقاح الحصبة أو أمراض أخرى يمكن الوقاية منها بالتحصين، يواجهون خطر الموت أو الإصابة بمضاعفات طويلة الأمد تحرمهم من مستقبل طبيعي، وقالت هايليجبريل: “هؤلاء أطفال حُرموا من المستقبل”.
بدورها، أكدت الدكتورة كيت أوبراين، مديرة إدارة التحصين في منظمة الصحة العالمية، أن النزاعات في 26 دولة حول العالم تسببت في جعل الأطفال فيها أكثر عرضة بثلاث مرات لعدم الحصول على أي تطعيم، مقارنة بنظرائهم في الدول المستقرة.
وأضافت أن حتى أدنى انخفاض في التغطية يمكن أن يؤدي إلى تفشي أمراض مميتة وزيادة الضغط على أنظمة صحية تعاني أصلاً، مشيرة إلى أن المعلومات المضللة وتراجع التمويل يهددان بإضعاف حملات التحصين في السنوات المقبلة.
جهود ميدانية رغم القيود
رغم المعوقات، نجحت المنظمات الإنسانية في تحقيق بعض التقدم، فقد تم إرسال حاويات لإعادة بناء ما يعرف بـ”سلسلة التبريد”، وهي البنية التحتية الأساسية لضمان سلامة اللقاحات أثناء النقل والتخزين، إلا أن استمرار القتال في مناطق عدة يحول دون إيصال المساعدات، بحسب الصحيفة.
وأكدت هايليجبريل أن “الوضع في السودان لم يحظَ بالاهتمام الدولي الكافي”، داعية إلى وقف الأعمال العدائية لضمان وصول الأطفال إلى الرعاية التي يحتاجونها للبقاء والنمو.
الغذاء قبل اللقاح.. أولوية العائلات
من جانبه، قال عبدالله إدريس أبو قردة، رئيس رابطة دارفور في المملكة المتحدة، إن الوضع في إقليم دارفور، لا سيما في مدينة الفاشر المحاصرة، “أصبح كارثيًا”، مضيفًا أن كثيرًا من العائلات باتت تعتبر التطعيم رفاهية غير متاحة، مقارنة بالحاجة الملحة للغذاء وأدوية الأمراض المنتشرة مثل الملاريا، وأكد: “بالنسبة لهم، اللقاح ليس أولوية، الأولوية هي إنقاذ حياة أطفالهم من الجوع والمرض الآن”.
المصدر: تيليجراف مصر
تعليقات