شهرة “تيك توك” الزائفة.. انهيار للذوق العام واستنزاف نفسي خفي

شهرة “تيك توك” الزائفة.. انهيار للذوق العام واستنزاف نفسي خفي

في زمن الرقمنة المتسارعة، لم تعد الموهبة وحدها هي جواز السفر نحو النجومية، يكفي هاتف ذكي وتطبيق تيكتوك وجرعة من الجرأة، للوصول إلى شهرة عالمية في أقل عدد من الساعات.

برزت مواهب مغربية في الغناء ،التقليد، “السكيتش”، الطبخ وأسماء مثل فراولة التيكتوك، مولات الكيكة.. والتي أصبحت مألوفة لدي فئة واسعة من الشباب، وتتقاطع فيديواتهم يوميا على شاشات آلاف المغاربة.

وبعض المواهب يعتبرها البعض لا ترقى إلى مستوى الإبداع، بل تساهم في نشر التفاهة وتخريب الذوق العام، ويعتمد بعض الأشخاص عليها من أجل جلب أكبر عدد من اللايكات رغم التعليقات السلبية.

وبات “اللايف” وسيلة مفضلة عند العديد من هؤلاء للاقتراب أكثر من الجمهور وتحقيق شهرة واسعة، إذ يشارك فيه صانعو المحتوى تفاصيل حياتهم اليومية، يجيبون عن أسئلة المتابعين، أو حتى يفتعلون مشادات كلامية لجذب التفاعل ورفع نسب المشاهدة.

وقد تحوّل “اللايف” عند البعض إلى مصدر دخل، من خلال الهدايا الرقمية التي يُحولها “تيك توك” إلى أرباح مالية، ما جعل بعضهم يقضي ساعات يوميا أمام الكاميرا متتبعا أرقام اللايكات.

وفي هذا الصدد، أكد مهدي عامري، خبير في الذكاء الاصطناعي والرقمنة، والأستاذ الباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أن الشهرة عبر “تيك توك” صارت أيسر منالا، إذ يكفي أحيانا مقطع عفوي لا يتجاوز دقيقة، كي يستحيل صاحبه “ظاهرة” يتداولها الناس.

المفارقة حسب عامري، هي هل هذه الشهرة في متناول الجميع لأنها تساوي بين جميع المحتويات، أم لأنها أفرغت الشهرة من معياريتها؟ إذ فقدت الشهرة، في بعض أوجهها على تيك توك تلك الهالة التي كان يتحدث عنها فالتر بنيامين: الهالة كتميُّز، كجاذبية تحفُّ ما هو أصيل ونادر”، مضيفا أن “المعيار اليوم صار هو الفرجة العابرة، الطرافة، أحيانا الابتذال، بل حتى السخرية من الذات”.

وأورد في تصريحه أن “الشهرة في ظاهرها سهلة إذ لا تحتاج إلى مؤسسة إعلامية أو دار نشر أو قناة تلفزية، لكن في جوهرها، مشروطة بقوانين لا ترحم: إيقاع سريع، تجديد مستمر، محتوى يلبي انتظارات جماهير تتبدل أذواقها بسرعة”.

وأشار إلى أن “الشهرة التي تأتي بسرعة، تُستهلك بسرعة، ثم تُرمى في أرشيف النسيان الرقمي، وهنا نصبح أمام شهرة هشَّة: شهرة بلا رسوخ، بلا عمق، شهرة قد تسعد لحظة وتُنسي صاحبها في الغد”.

وأضاف عامري في تصرحه أن مواهب التيكتوك، في غالبيتها، تجد نفسها في صراع خفي بين ما يُرضي الجمهور السريع الملل، وما يمكن أن يكون محتوى ذا قيمة حقيقية، مؤكدا أنه “من هنا، يبرز خطر أكبر: هيمنة ثقافة الاستعراض على حساب ثقافة المعنى. ولعل هذا ما يجعل الشهرة أصعب مما تبدو عليه”.

وحسب الأستاذ الباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، فمن يطلب الشهرة على تيك توك يجد نفسه محكوما بآليات لا ترحم، وعليه أن يُدهِش باستمرار ويتقمص شخصيات شتى، وأن يُفرغ ذاته ليملأ فراغ خوارزمية متعطشة لزيادة نسب المشاهدة”، مبرزا “هنا نلمح وجها آخر لهذه الشهرة؛ هي شهرة استهلاكية، لا تحمي صاحبها بل تستنزفه، فلا هو يحتفظ بصورة أصيلة عن نفسه، ولا جمهوره يحتفظ بصورة ثابتة عنه”.

إن ما نعاينه اليوم، وفق مهدي عامري، ليس فقط سهولة الوصول إلى الشهرة بفضل المنصات الرقمية، “بل تحول عميق في بنيتها، من الشهرة كمسار وتراكم إلى الشهرة كظاهرة لحظية، من الشهرة المرتبطة بالأثر الثقافي إلى الشهرة المرتبطة بالفرجة العابرة”.

وأشار إلى أن هذا التحول “يحمل معه أثرا نفسيا لأنه يضع الأفراد في دوامة البحث المستمر عن الاهتمام والقبول، وثقافيا لأنه يفرض ذوقا معينا ويُقصي ذائقة أخرى أعمق وأكثر رصانة”.

المصدر: مدار 21