في عالم يعج بالأفكار والتوجهات والضجيج المستمر، تميز مؤسس شركة آبل الراحل، ستيف جوبز، بقدرة استثنائية لا تتعلق فقط بعبقريته أو إحساسه بالمنتج أو حتى شغفه بالتصميم، بل بشيء أعمق وأقل تداولًا: قدرته على عزل نفسه عن “الضوضاء” والتركيز على ما وصفه بالإشارة، هذا ما أكده رجل الأعمال والمستثمر الكندي الشهير كيفن أوليري، في ظهوره الأخير على بودكاست The Diary of a CEO، حين قال: “جوبز لم يهتم برأي الناس، بل بما تشير إليه رؤيته. أما البقية، فمجرد ضوضاء”.
وأوضح أوليري أن نجاح جوبز اعتمد على ما سماه “نسبة الإشارة إلى الضوضاء”، حيث كانت النسبة لدى جوبز حسب وصفه 80% إشارة مقابل 20% ضوضاء، وأضاف: “إذا عدنا إلى التاريخ، سنكتشف أن العباقرة الحقيقيين كانت نسبتهم تقترب من 100% تركيز على الإشارة وحدها”.
ألقى أوليري الضوء على أسلوب جوبز في الإدارة والعمل، واصفًا إياه بالقاسي، لكنه فعال فقد كان يحدد من ثلاث إلى خمس أولويات قصوى خلال يوم عمل يمتد إلى 18 ساعة، ويتجاهل أي مهمة لا تصب في صلب عملية الإنتاج أو تطوير المنتج، ولم يكن ذلك بدافع التحكم، بل بدافع الرغبة العميقة في الإنجاز والتركيز على النتائج.
وفقًا لجوبز، كل ما لا يسهم بشكل مباشر في تحسين المنتج يعتبر “ضوضاء”: من الآراء العامة، إلى محادثات الزملاء، مرورًا باتجاهات السوق، ووصولًا إلى مطالب العملاء، كان يؤمن بأن الناس غالبًا لا يعرفون ما يريدون، إلا بعد أن يريهم هو ذلك، لم يكن هذا تعاليًا بل تجسيدًا لرؤية ثابتة وثقة لا تهتز.
يقول أوليري: “لم يكن الأمر يهمه إن لم يخدم المهمة، ببساطة، لم يكن يصغي له”.
لم يكن ستيف جوبز يسعى إلى نيل الإعجاب، بل إلى تحقيق الهدف، ورغم أن الكثيرين اعتبروه صعب المراس أو متصلب الرأي، فإن أوليري يرى أن ذلك كان الثمن الذي يدفعه الكبار، ويضيف: “لم يكن يهتم إن أحبه الناس، ما كان يعنيه هو أن يكون على صواب، أن يصل إلى الحقيقة.”
وأضاف في عالم اليوم المليء بالمشتتات والانشغالات، تزداد أهمية فلسفة جوبز: تجاهل الضجيج، ركز على ما يهم، فالجميع لديه أفكار والجميع يريد التغيير، لكن القليل فقط من يمتلك القدرة على تصفية ذهنه والتمسك برؤية واضحة وسط الزحام.
يختم أوليري حديثه برسالة موجزة لكنها بالغة الدلالة: “إذا أردت أن تصنع شيئًا عظيمًا، أوقف الضوضاء، واتبِع الإشارة لا أكثر”.
فستيف جوبز، في نهاية المطاف، لم يكن مجرد رجل بنى شركة ناجحة، لقد غير الطريقة التي نفكر بها في التركيز والابتكار والقيادة، علمنا أن الانتباه قوة، وأن الضوضاء تهديد، وأن من يثق برؤيته الخاصة أكثر من صدى العالم هو من يكتب المستقبل.
تعليقات