أحمد صلاح حسني.. رجل كل الألعاب الذي خلع قميص الأهلي ليقف أمام الكاميرا

أحمد صلاح حسني.. رجل كل الألعاب الذي خلع قميص الأهلي ليقف أمام الكاميرا

يمثل أحمد صلاح حسني حالة فريدة في المشهدين الرياضي والفني، إذ نشأ في كنف عائلة “أهلاوية” وكان والده صلاح حسني، أحد نجوم الفريق، ليسير على دربه ويصبح مهاجم الأهلي في نهاية تسعينات القرن الماضي.

لم يكتفِ حسني الصغير بمسار كرة القدم وحده، بل حمل داخله شغفًا دفينًا بالفن منذ نعومة أظافره، وبين الموهبة والاختيار، خاض حسني رحلة طويلة من الملاعب الأوروبية إلى بلاتوهات التصوير، تاركًا بصمته في أكثر من مجال.

وخلال مسيرته، مثّل منتخب مصر في بطولات كبرى، وكان شاهدًا على جيل كامل من المواهب الصاعدة.

أحمد صلاح حسني ليس فقط لاعبًا محترفًا سابقًا، ولا فنانًا صاعدًا، بل نموذج للموهبة المتعددة التي تعرف كيف تُنصت لنفسها، وتراهن على حلمها حتى لو بدا بعيدًا هو حكاية نضوج، وتحوّل، وإصرار على النجاح بأكثر من لغة، سواء في الرياضة أو الفن.

رجل كل الألعاب

نشأ أحمد صلاح حسني في عائلة رياضية، إلا أن والده، صلاح حسني، لم يفرض عليه طريقًا معينًا في المجال الرياضي، بل ترك له حرية اختيار مساره، وهو ما يُعد أحد العوامل الأساسية في تشكيل وعيه واستقلاليته خلال مراحل التكوين الأولى. 

لم يكن دخوله إلى عالم كرة القدم نتيجة تأثير مباشر من الأسرة، بل جاء من قناعة شخصية، وبدأ ممارسته للرياضة من خلال التنقل بين ألعاب متعددة، أبرزها كرة السلة، كرة اليد، كرة الماء، الاسكواش، وكرة القدم.

في أولى محطاته الكروية، انضم حسني إلى صفوف نادي هليوبوليس، ضمن فريق تحت 14 عامًا، ولعب إلى جانب أحمد الجوهري، نجل الراحل محمود الجوهري، وكان يقودهما فنيًا المدرب محمد الصيفي.

 بدأ اللعب في مركز الظهير الأيسر، متأثرًا بالأسطورة الإيطالية باولو مالديني، واعتاد ارتداء القميص رقم 3 في معظم الفرق التي انضم إليها لاحقًا،.

ظل شغفه بكرة السلة حاضرًا في حياته، وظل متابعًا شغوفًا بالدوري الأمريكي للمحترفين “NBA”، خاصة فريق جولدن ستيت ووريورز، وكان هذا الشغف ينعكس على اختياراته لأرقام القمصان التي ارتداها، إذ ارتبطت بأرقام أساطير السلة مثل مايكل جوردن وكوبي براينت وكيفن دورانت.

السرقة في الأهلي

كانت نقطة التحول انتقاله إلى الأهلي، بعد أن تابعه أحد الكشافة في دوري الناشئين، في الوقت الذي كانت فيه هناك مفاوضات قائمة مع الزمالك. 

وافتقد الأهلي حينها تحت قيادة كابتن محمود صالح لرأس حربة، وسارع النادي إلى التعاقد معه في صفقة وُصفت حينها بأنها من أكبر الصفقات في قطاع الناشئين، وشملت إلى جانب المقابل المادي توفير تجهيزات تدريبية وملابس وتجهيزات خاصة لنادي هليوبلويس.

وعند أول تمرين له مع الأهلي تعرض للسرقة، إذ اختفت “محفظته”، لكنه تعامل مع الأمر بحسم، فطلب من عامل الغرف إغلاق الباب على اللاعبين، وواجه الجميع بنبرة حادة، رافضًا الخروج قبل استرجاع المحفظة، وفعلاً، تم التعامل مع الموقف، وتدخل محمود صالح وقتها.

تزامن وجود أحمد صلاح حسني مع مجموعة من الأسماء التي أصبحت لاحقًا من نجوم الكرة المصرية، مثل إبراهيم سعيد، حسن مصطفى، هاني سعيد، أمير عبد الحميد، ومحمد جودة، وكان مستوى التنافس في التدريبات قويًا للغاية، وغالبًا ما كانت التقسيمات الداخلية في التدريبات تتفوق على مباريات الدوري من حيث الحدة والقوة بحسب ما أكد.

وشهدت مسيرته تطورًا سريعًا، إذ صعد خلال أشهر قليلة للمشاركة مع فرق أكبر عمرًا في النادي، ومن ثم إلى تدريبات الفريق الأول، قبل أن يتم استدعاؤه للمنتخب الأولمبي ليكون أحد “كباتن” الفريق.

مفترق طرق

جاءت نقطة التحول الكبرى في مسيرته عندما شارك في مباراة ودية جمعت فريق الأهلي تحت 20 عامًا بمنتخب تشيلي تحت 17 عامًا، حضرها كشّاف من نادي شتوتجارت الألماني، الذي جاء في الأساس لمراقبة لاعب آخر، لكن تألق حسني في تلك المباراة، وتسجيله لـ3 أهداف، دفع الكشاف إلى متابعته بشكل دقيق، خاصة بعد أن تبيّن أنه لا يزال في سن 17، ليتلقى بعدها عرضًا رسميًا لخوض تجربة احترافية في ألمانيا.

امتلك أحمد صلاح حسني خيارين إما اللعب أساسيًا في الأهلي في سن مبكرة، أو خوض تجربة الاحتراف الخارجي، لكنه اختار طريق أوروبا، ليبدأ فصلًا جديدًا من مسيرته مع نادي شتوتجارت، بعدما نال ثقة المدرب وشارك في فترة الإعداد مع الفريق الأول.

وفي تسريحات سابقة له قال أحمد صلاح حسني: “الاحتراف خارج مصر جاء رغبة في خوض تجربة جديدة رغم الجنون الظاهري للقرار، لكن الدافع الأساسي كان الرغبة في اكتساب الخبرة، خاصة بعد الاحتكاك بلاعبين محترفين خلال مشاركات المنتخب الأولمبي”.

وأضاف: “كان اللاعبون من دول مثل غانا وزيمبابوي وجنوب أفريقيا، ورغم كونهم ناشئين، فإن بعضهم كان ينتمي لأندية كبرى مثل ميلان أو إنتر، وكان واضحًا عليهم الثقة بالنفس، وهي ثقة لا تُكتسب إلا من خلال تجربة الاحتراف”.

وتابع: “كان الهدف أن أعيش أجواء تُقوّي شخصيتي، وأن يكون التركيز كاملًا على كرة القدم، لأنه في هذه الأجواء إن لم أقدم أداءً جيدًا فلن أجد من يواسيني، لا عائلة، لا أصدقاء، ولا دعم نفسي، فقط العمل والنتائج، تجربة قاسية لكنها تصنع لاعبًا قويًا ذهنيًا”.

سائق الجمال

أحمد صلاح حسني كان على موعد مع موقف صعب للغاية خلال تجربته مع شتوتجارت، وفي أول تدريب له مع الفريق، أطلق مدرب حراس المرمى تعليقًا عنصريًا ساخرًا، وصفه فيه بـ”سائق الجِمال”، وضحك بعض اللاعبين. 

وتمت المواجهة بين اللاعب ومدرب الحراس وحدثت مشادة قوية ثم تدخل المدرب، وتم تصعيد الموقف إلى إدارة النادي، بعدها تم الاعتذار رسميًا من قبل النادي، ووقع عقوبة على المدرب، مع تعهد بعدم تكرار الأمر.

“الاحتراف في ألمانيا لم يعلّم فقط فنون الكرة، بل غرس احترام المواعيد والالتزام الكامل، التمرين يبدأ في التاسعة صباحًا، لكن الحضور يكون في السابعة”، هكذا تحدث أحمد صلاح حسني.

مسيرة لم تكن سهلة

كانت أول مباراة للنجم أحمد صلاح حسني في ألمانيا أمام بايرن ميونخ في الكأس، حينها نزل بديلًا والفريق خاسر بثلاثية، بايرن كان مرعبًا في تلك الفترة، وكانت تلك المباراة الوحيدة التي خسرها من البافاري طوال الفترة التي لعب فيها، أما البقية فكانت نتائج إيجابية.

وواجه المهاجم المصري أحمد حسني صعوبات واضحة في فرض نفسه على التشكيلة الأساسية لنادي شتوتجارت الألماني، خلال مشواره الذي امتد حتى عام 2001. 

فعلى مدار 26 مباراة في الدوري الألماني، لم يتمكن سوى من تسجيل هدفين، في ظل منافسة قوية من لاعبين مخضرمين مثل جوناثان أكبوبوري، وفريدي بوبيتش، وسريتو ريستيتش، في الموسم التالي، تحسّنت فرص حسني في المشاركة، إلا أنه ظل بعيدًا عن أن يكون خيارًا أول للهجوم، إذ حلّ في المركزين الثالث والرابع في ترتيب أولويات المدرب رالف رانجنيك، خلف شون دندي وإيوان فيوريل جانيا، اللذين انضما حديثًا للفريق.

ورغم مشاركته في 16 مباراة بالدوري خلال موسم 1999-2000، جاءت جميعها من على مقاعد البدلاء.

واحتاج اللاعب المصري إلى 3 سنوات لتسجيل أول هدفين له في الدوري، واللذين جاءا في 6 نوفمبر 1999، خلال فوز فريقه 2-0 على فولفسبورج خارج الديار.

ومع دخول موسمه الثالث، تراجعت مشاركاته تدريجيًا، ليصبح ظهوره نادرًا في تشكيل شتوتجارت ليرحل معارا إلى نادي جينت البلجيكي في صيف 2001.

وظهر للمرة الأولى مع الفريق في نوفمبر من العام ذاته خلال مباراة بالدوري أمام أندرلخت.

ويروي صلاح حسني عن تجربته في اللعب ببلجيكا وبداية طريق الفن: “كان هناك محل فيديو بجوار منزلي، وبعد فترة، شعر صاحب المحل بالشفقة عليّ من كثرة تأجيري للأفلام، فصار يعطيني الأفلام مجانًا، كنت لا أستطيع النوم إلا بعد مشاهدة فيلم، كنت أعيش في عالم موازٍ، عالم السينما”.

لكن تجربة حسني في بلجيكا لم تكن كما يأمل، رغم أنه سجل 4 أهداف في 18 مباراة، ليعود بعدها إلى الأهلي مرة أخرى في نهاية الموسم، وشارك في آخر 6 مباريات، نجح خلالها في تسجيل 6 أهداف.

“الأهلي محتاجك”

وقال أحمد صلاح حسني: “بعد جينت، عدت إلى الأهلي، كانت هناك ظروف أجبرتني على العودة، منها إصابة أحمد بلال، وكان الفريق في حاجة إلى رأس حربة، كابتن طارق سليم كلمني، وقال لي إن الأهلي يحتاجك، وكنت قد وعدت كابتن طارق قبل الاحتراف بأنني إذا احتاجني الأهلي سأعود فورًا، فكان عليّ أن أفي بوعدي”.

رحل أحمد صلاح حسني مجددا عن المارد الأحمر، لينتقل إلى ريزا سبور لكن مشاركاته مع النادي التركي كانت محدودة للغاية، حيث ظل في الغالب خارج الحسابات الفنية، ليخوض 10 مباريات ويسجل هدفين فقط ليعود إلى المقاولون العرب.

كادت أن تكون محطته الأخيرة كلاعب في الدوري المصري عبر بوابة نادي الزمالك، حيث اقترب كثيرًا من التوقيع، بل وحضر إلى مقر النادي في يوم شهير شهد أزمة بسبب مباراة في كرة اليد، كان خلالها رئيس النادي مرتضى منصور في خلاف مع اتحاد اللعبة.

كذلك كانت هناك مفاوضات جادة مع نادي الإسماعيلي، وصلت إلى حد التوقيع وخوض التدريبات مع الفريق، إلا أن التجربة لم تُستكمل.

“رغم الاحترام الكبير للناديين، ولجماهيرهما، ولكل من ينتمي إليهما، لكنني لم أستطع اللعب لغير الأهلي” أحمد صلاح حسني.

ولم يستطع حسني الصغير تقمّص عقلية اللاعب المحترف داخل مصر بنفس الطريقة، إذ لم يرتدِ قميص أي نادٍ غير الأهلي، ليعيد العقد والأموال دون أن يخوض أي لقاء مع الدراويش، وينهي مشواره الكروي مع الأندية.

الهوس بكرة القدم

لم يكن علاقة مدرب منتخب مصر محمود الجوهري بأحمد صلاح حسني علاقة مدرب بلاعب فقط، بل علاقة شخصية منذ الصغر، بحكم الصداقة العائلية. 

وكان يتابع مستواه حتى قبل توليه تدريب المنتخب، في 1998، كان الجوهري يريد ضمه للمنتخب، لكنه كان لا يزال في بداية تجربته الاحترافية في ألمانيا، فنصحه بالصبر حتى ينضج أكثر، وبعد عودة الجوهري لتدريب المنتخب، استدعاه للمشاركة مع الفراعنة.

مع الفراعنة

بدأت رحلة أحمد صلاح مع منتخب مصر في عام 2000، حين كان جزءًا من الفريق الذي شارك في كأس الأمم الأفريقية في غانا ونيجيريا.

وظهر المهاجم لأول مرة في 23 يناير 2000 في أول مباراة بدور المجموعات ضد زامبيا، عندما استبدله المدرب جيرارد جيلي بـ ياسر رضوان في الدقيقة 78.

 في المباراة النهائية للمجموعة أمام بوركينا فاسو، سجل حسني هدفه الوحيد في البطولة، وخرجت مصر من ربع النهائي على يد تونس. 

وفي نسخة 2002، تم استدعاء المهاجم مرة أخرى إلى تشكيلة كأس الأمم الأفريقية 2002 تحت قيادة محمود الجوهري، إذ كان بديلا في البطولة، كما فشل في تسجيل أي هدف.

وخلال 7 مباريات في بطولة أفريقيا مع منتخب مصر سجل هدفا واحدا، وإجمالا لعب 23 مباراة مع الفراعنة سجل 6 أهداف وقدم تمريرتين حاسمتين.

رغم بدايته كلاعب كرة قدم محترف وتألقه في صفوف الأهلي ومنتخب مصر، كان أحمد صلاح حسني يحمل حلمًا آخر منذ صغره: التمثيل. 

فبينما كان يتدرب في الأهلي، كان قلبه مع السينما، يحفظ أفلام عادل إمام وأحمد زكي، ويتلقى دروسًا في التمثيل، ويؤلف ألحانًا لكبار النجوم سرًا.

بعد اعتزاله الكرة، قرر دخول عالم الفن بجدية، ولحن أغاني عديدة لنجوم كبار مثل شيرين وعمرو دياب كما شارك في ورش تمثيل، وكانت بدايته الحقيقية من خلال مسلسل “شربات لوز”، لتتوالى أدواره بعدها في أعمال مثل “حواري بوخارست”، “الفتوة”، “الاختيار”، و”نسل الأغراب”، بالإضافة إلى مشاركاته السينمائية في أفلام مثل “الممر” و”الخلية”.

مزج أحمد صلاح حسني بين الانضباط الذي تعلّمه في ملاعب كرة القدم، وشغف حقيقي بالفن، ليصنع لنفسه مكانًا في الدراما والسينما المصرية، كأحد أبرز الوجوه الصاعدة في السنوات الأخيرة.

المصدر: تيليجراف مصر