في وقت يرسّخ فيه المغرب مكانته كأحد رواد الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر في إفريقيا والعالم العربي، تكتسب النقاشات حول مستقبل الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة بعدًا استراتيجيًا، فمنذ مؤتمر COP22 بمراكش سنة 2016، وُضعت أسس رؤية طموحة للتحول البيئي، واليوم تظهر نتائجها في مشاريع كبرى للنقل المستدام والطاقة النظيفة وإدارة الموارد.
في هذا السياق، التقت جريدة “مدار21” الإلكترونية بالدكتور لوكا بروسّا، رئيس قسم العلاقات الخارجية بالأمم المتحدة، للحديث عن تقييمه لجهود المملكة، وأدوار المنظمة الأممية في دعم قدراتها، وكيفية جعل سياسات الاقتصاد الأخضر أكثر عدالة وشمولاً في مواجهة التغيرات المناخية.
نص الحوار كاملا:
كيف تقيمون جهود المغرب في الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر، خصوصًا في مجالات الطاقات المتجددة والتخطيط الترابي؟
في الواقع، مستقبل الاقتصاد الأخضر يعتمد على عوامل عديدة، وأنا سعيد جدًا بوجودي في المغرب، لأن المملكة كانت واحدة من الدول الإفريقية التي قادت حركة الانتقال نحو هذا النموذج.
أتذكر جيدًا أنني كنت هنا قبل نحو عشر سنوات خلال مؤتمر COP22 بمراكش سنة 2016، وجلست حينها مع بعض وزراء مغاربة ومع أفراد من العائلة الملكية، وناقشنا الرؤية المستقبلية للانتقال الأخضر.
اليوم، وبعد عقد من الزمن، أرى أن هذه الرؤية قد بدأت تؤتي ثمارها. المغرب نفّذ مشاريع عديدة في مجال الاقتصاد الأخضر، وفتح أوراشًا جديدة في النقل المستدام، وهو قطاع حيوي في بلد واسع المساحة مثل المغرب.
أستطيع أن أقول إن مؤتمر COP22 شكّل لحظة فارقة في مسار تنفيذ اتفاق باريس، والمغرب لا يزال إلى اليوم في موقع الريادة على مستوى الاقتصاديات الخضراء.
ما نوع الشراكات أو الدعم الذي يمكن أن توفره الأمم المتحدة لتعزيز القدرات المؤسساتية للجهات المغربية في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة؟
الأمم المتحدة منخرطة بشكل واسع في المغرب. فخلال المنتدى الإقليمي، استمعنا إلى المنسق المقيم للأمم المتحدة وهو يقدّم أمثلة عديدة على الشراكات الجارية بيننا وبين المؤسسات المغربية، إذ تلعب الأمم المتحدة دورًا تنسيقيًا في الكثير من الأنشطة. وأؤكد أن المفاوضات تظل أساسية لتحويل ما يُقرَّر في مؤتمراتنا إلى واقع ملموس.
مكاتبنا في المغرب، وفي بون حيث أعمل، وكذلك في نيويورك، كلها على اتصال دائم لدعم هذا المسار.
نحن مقبلون على مؤتمر الأطراف (COP30) الذي سيركّز على “المساهمات المحددة وطنيًا” (NDC)، وهي التزامات كل دولة لضمان البقاء على مسار 1.5 درجة مئوية.
ومن أجل ذلك، نحرص على أن نكون حاضرين ليس فقط على الأرض لدعم المشاريع، ولكن أيضًا لمواكبة المغرب على مستوى الإطار المؤسساتي والقانوني الذي يحتاجه لتنفيذ اتفاق باريس بكفاءة.
في ظل التغيرات المناخية وتزايد الهشاشة الاجتماعية في بعض المناطق، كيف يمكن توجيه سياسات الاقتصاد الأخضر في المغرب لتكون أكثر عدالة وشمولاً؟
هذا سؤال بالغ الأهمية، لأنه يتعلق بجوهر العدالة المناخية، والهشاشة لا تخص المغرب فقط، لكنها واقع عالمي، غير أنني أعتقد أن المملكة تتقدم بسرعة نحو حلول أكثر صلابة.
القضية ترتبط بالبنية التحتية أساسًا. سمعنا في المنتدى الإقليمي عن أفكار جديدة في النقل الأخضر وعن تقدم في الطاقات المتجددة، لكن لا قيمة لكل ذلك إذا لم تُهيَّأ البنى التحتية الضرورية.
من السهل الحديث عن مئات الحافلات الكهربائية، لكن من دون طرق مجهزة لن نحقق الأثر المرجو.. الأمر نفسه بالنسبة للطاقة المتجددة، إذا لم يتم تحديث شبكات الربط الكهربائي، سنهدر جزءًا كبيرًا منها، وينطبق ذلك أيضًا على الماء الذي يمثل ملفًا حيويًا في مناطق عديدة من المغرب.
دور الأمم المتحدة هنا يتجاوز تقديم النصائح المباشرة، فنحن نخلق أيضًا فضاءات للنقاش، مثل هذا المؤتمر، حيث تُتبادل الخبرات وتُبنى الشراكات. على سبيل المثال، استمعنا اليوم لتجارب رائدة من هيئة دبي للكهرباء والماء، وهذه الخبرات يمكن نقلها إلى أرض الواقع في المغرب.
علينا أن نسرّع وتيرة الحلول المناخية، لأن تغير المناخ يتفاقم، والضرر الأكبر يقع على الفئات الهشة. ومن هنا تأتي أهمية العمل المشترك لزيادة الطموح وتكثيف الجهود في الاقتصاد الأخضر ليكون أكثر شمولًا وإنصافًا.
تعليقات