“الجوطية” تنتعش في زمن الغلاء بحثا عن أناقة لا تُرهق الجيب

“الجوطية” تنتعش في زمن الغلاء بحثا عن أناقة لا تُرهق الجيب

عادت أكياس الملابس المستعملة لتفرض وجودها بقوة في عدد من الأسواق الشعبية بالدار البيضاء خلال هذا الصيف، وسط إقبال متزايد من مختلف الفئات الاجتماعية.

فـ”الجوطيات” لم تعد مقتصرة على ذوي الدخل المحدود، بل أصبحت تستقطب موظفين وطلبة وحتى مؤثرين شباب، يبحثون عن قطع مميزة بأسعار مناسبة.

وسط الأكوام المتراصة من أزياء البحر، والقمصان الصيفية، وحتى الأحذية الرياضية ذات الماركات العالمية، يتنقل الزبناء بعين خبيرة، يفتّشون بين القطع عن “كنز مستعمل” بمواصفات جديدة.

لا غرابة أن يعرف هذا السوق التقليدي رواجًا غير مسبوق، في ظل تضخم الأسعار وعجز كثير من الأسر عن مواكبة تكاليف اقتناء الملابس الجاهزة من المحلات العصرية.

جيهان، شابة في العشرينات من العمر، تقول لجريدة “مدار21” إنها لا ترى في ارتداء “البال” أي حرج، بل تعتبرها “فنًّا في الاختيار، وذكاءً استهلاكيًا”. فبينما قد تُكلفها سترة عصرية نحو 800 درهم في متجر معروف، يمكن أن تعثر على قطعة مماثلة بـ80 درهمًا فقط في الجوطية.

ويؤكد بعض الباعة بسوق القريعة بالمقابل، أن الصيف يُعد موسم الذروة، حيث يتضاعف الإقبال على الملابس الخفيفة، وملابس الأعراس، وقطع السفر، إلى جانب مستلزمات الأطفال.

اللافت أيضًا أن فئة من الزبناء باتت تُعيد بيع ما تشتريه رقمياً عبر “إنستغرام” و”فيسبوك”، ما يُحوّل “الجوطية” إلى حلقة أولى في تجارة رقمية غير رسمية، لكنها نشطة ومتزايدة.

ياسر الدرويش، باحث في الاقتصاد، يرى في حديثه للجريدة أن هذا الرواج يعكس تحولا تدريجيا في سلوك المستهلك المغربي، ليس فقط بالموضة أو الوعي البيئي، وإنما أساسًا كاستجابة مباشرة لموجة الغلاء التي مست القدرة الشرائية للأسر.

ويضيف في تصريح لـ”مدار21″: “في ظل ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة، أصبح سوق الملابس المستعملة خيارًا اقتصاديًا يوفر منتوجات جيدة بأثمان تصل أحيانًا إلى عشر سعرها الأصلي”.

ويربط الدرويش الظاهرة بالسياق التضخمي الذي يطبع الاقتصاد الوطني منذ مواسم، حيث باتت الأسر تقلّص من إنفاقها على الكماليات، بما فيها اللباس، في مقابل التركيز على ضروريات الحياة، من تعليم وصحة وسكن.

لكن خلف هذا الرواج، يُخفي السوق غير المهيكل للملابس المستعملة إشكالات عميقة، حسب ما يؤكده الباحث الاقتصادي. فآلاف المعاملات اليومية تجري خارج نطاق المراقبة الضريبية، ما يُفقد خزينة الدولة موارد مهمة، ويخلق منافسة غير متكافئة مع تجار القطاع المنظم.

كما يُطرح، وفق الدرويش، سؤال العدالة التجارية، وحق الزبناء في معطيات واضحة حول مصدر السلع، وظروف نقلها وتخزينها. فغياب التنظيم، وعدم احترام شروط النظافة والتهوية في بعض” الأسواق، يُؤدي إلى تراجع الثقة، ويُحول هذه الفضاءات إلى بؤر هشّة معرضة للملاحقات أو قرارات الإغلاق المفاجئة”.

وإذا استمر منحى الغلاء دون تدخل فعّال، كما يحذر الدرويش، فقد تشهد البلاد توسعًا أكبر في سوق المستعمل، لا في الملابس فقط، بل حتى في الأجهزة المنزلية، والأثاث، والكتب، ما يُحيل الاقتصاد الموازي إلى مكون مركزي في دورة الاستهلاك اليومية للمغاربة.

المصدر: مدار 21