مفارقة الاقتصاد المغربي.. الاستثمار عاجز عن دعم النمو وخلق فرص الشغل

مفارقة الاقتصاد المغربي.. الاستثمار عاجز عن دعم النمو وخلق فرص الشغل

ما زال الاقتصاد المغربي يقف حائراً أمام مفارقة فريدة من نوعها، حيث وبالرغم من المجهود الاستثماري المبذول على مستوى المملكة، ما زال هذا الأخير لا ينعكس على النحو المطلوب على النمو الاقتصادي وعلى خلق فرص الشغل.

ذلك ما أكدته المندوبية السامية للتخطيط، التي أشارت إلى أن مردودية الاستثمار في الاقتصاد الوطني عرفت تدهورا ملحوظا خلال الفترة 2010-2019، حيث بلغت في المتوسط 12,5 و11,8 بين 2010-2023، مشيرة إلى أن هذا المستوى يعد أعلى بكثير من متوسط مردودية الاستثمار في البلدان ذات الدخل المتوسط.

وفي التفاصيل، استقر معدل مردودية الاستثمار نسبيا في 5 بالنسبة لبلدان الفئة الأدنى و6,3 لبلدان الفئة الأعلى، وفقا للمصدر ذاته، مشيرا إلى أن تدهور هذا المؤشر يعزى إلى أن دينامية الاقتصاد الوطني “لم تواكب التحسن الذي عرفه معدل الاستثمار في المغرب خلال هذه الفترة، حيث استقر متوسط معدل النمو الاقتصادي في 3,5 % مقابل 5,5 % في الدول متوسطة الدخل في كلتا الفئتين”.

وأشارت المندوبية، في تقرير الميزانية الاقتصادية الاستشرافية برسم سنة 2026، إلى أن هذا المنحى التنازلي في مردودية الاستثمار ينعكس على مساهمة التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت في النمو الاقتصادي، والتي انخفضت من 1,7 نقطة خلال الفترة 2000-2009 إلى 0,9 نقطة فقط بين سنتي 2010 و2019.

ويترجم هذا الانخفاض ضعف تأثير الاستثمار على دينامية النمو، في حين تسارعت وتيرة نمو التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت خلال الفترة 2021-2024، لتتحسن مساهمته في النمو الاقتصادي إلى 1,2 نقطة نتيجة وتيرة المشاريع الاستثمارية الكبرى التي تم تنفيذها خلال السنوات الأخيرة.

وبالإضافة إلى ذلك، ورغم المستوى المرتفع لمعدل الاستثمار الذي يميز الاقتصاد الوطني، فإن مساهمة النمو الاقتصادي في خلق مناصب الشغل عرفت تدهورا مع مرور الوقت. حيث بلغ متوسط مناصب الشغل الصافية المحدثة، حوالي 143 ألف منصب شغل خلال الفترة 2000-2009 أي ما يناهز 30 ألف منصب شغل لكل نقطة من النمو.

وأضافت أن هذه الدينامية تدهورت بين سنتي 2010 و2019، حيث انخفض محتوى النمو الاقتصادي من مناصب الشغل المحدثة إلى ما يناهز 20 ألف منصب لكل نقطة من النمو، مما يعكس  تراجع قدرة للاقتصاد الوطني على تحويل النمو إلى فرص شغل.

وعلاوة على ذلك، ورغم الانتعاش الاقتصادي بين سنتي 2021 و2024 (وهي الفترة التي بلغ خلالها متوسط معدل النمو 4,4 %) لم تبلغ مناصب الشغل الصافية المحدثة المستوى المطلوب لتعويض مناصب الشغل المفقودة خلال الأزمة الصحية لسنة 2020، والتي فقد خلالها الاقتصاد المغربي أكثر من 432 ألف منصب.

وقد استقر معدل التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت من الناتج الداخلي الإجمالي في مستويات مرتفعة، حيث بلغ في المتوسط 26,1% خلال الفترة 2000-2009 من الناتج الداخلي الإجمالي، قبل أن يرتفع إلى 28% خلال 2010-2019.

وتعتبر هذه المستويات مماثلة لتلك المحققة لدى الفئة الأدنى من الدول ذات الدخل المتوسط حسب تصنيف البنك الدولي، والتي ينتمي إليها المغرب، في حين سجلت معدلات الاستثمار في الفئة الأعلى من الدول ذات الدخل المتوسط ارتفاعات أقوى، لتنتقل من 26,8% إلى 33,3% من الناتج الداخلي الإجمالي على التوالي خلال نفس الفترتين.

وشددت المندوبية على أنه “رغم أن معدل التكوين الإجمالي لرأس المال الثابت في الناتج الداخلي الإجمالي في الاقتصاد الوطني يبقى مماثلا لمتوسط البلدان ذات الدخل المماثل، إلا أن استمرار تراجع مردودية هذا الاستثمار، والذي يقاس بمؤشر المعامل الهامشي لرأس المال، يثير تساؤلات حول مدى فعاليته وقدرته على خلق نمو مطرد ومستدام”.

وبين المصدر ذاته أنه خلال الفترة 2000-2009، سجل الاقتصاد الوطني نموا اقتصاديا متوسطا يناهز 4,9 %، بمتوسط معدل تكوين لرأس المال الثابث يبلغ حوالي 26,1 % من الناتج الداخلي الإجمالي، وهو ما يعادل مردودية متوسطة تصل إلى 6,1. ويبقى هذا المستوى من المردودية أقل نسبيا (حيث كلما ارتفع المعامل الهامشي لرأس المال كلما كانت المردودية ضعيفة) مما لوحظ في البلدان ذات الدخل المتوسط من الفئة الأدنى والأعلى، والتي سجلت مستويات ملائمة لمردودية الاستثمار، بلغت على التوالي 4,9 و4,7 على التوالي خلال الفترة نفسها.

المصدر: مدار 21