يشهد العالم هوسا متزايدا بثقافة “الترند”، ولم يسلم المغرب من هذا التوجه، فقد باتت التراندات الرقمية تُسيطر على سلوك فئات واسعة، خاصة الشباب.
ومع تزايد مقاطع فيديو “الترند” التي تنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، إنستغرام وفيسبوك، صار المغاربة على اختلاف أعمارهم ومواقعهم الجغرافية جزء من هذا التيار الرقمي السريع.
ويتسم “الترند” بسرعة انتشاره وقصر عمره، ففي غضون ساعات قليلة يصل مقطع فيديو بسيط إلى ملايين المشاهدات، ويتم التفاعل معه بشكل كبير.
وتطرح هذه الظاهرة مجموعة من التساؤلات، إذ يعتبرها البعض تشجيعا للتفاعل بين الناس، و آخرون يعتبرونها مضيعة للوقت وتساهم في نشر الأخبار المضللة، وتمكن المؤثرين الذين يفتقرون للمحتوى الهادف والنقي من الوصول إلى جمهور واسع دون أن يقدموا إضافة حقيقية.
وفي هذا السياق عبر مهدي عامري، الخبير في الذكاء الاصطناعي والرقمنة، والأستاذ الباحث بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، في تصريح لجريدة “مدار 21″، “عن دهشته من الانخراط العارم للمغاربة في ثقافة “الترند”، ومن “التهافت المحموم على كل ما يلمع على صفحات المنصات الرقمية، تافهًا كان أم جادًا، هادفًا أم هازلاً”.
وأشار عامري إلى أن “هذا التفاعل لا يخضع لميزان ولا لحكمة، بل يبدو كطوفان رقمي جارف، يبتلع في طريقه الوعي والذوق، ويُلغي الفروق بين العابر والدائم، بين المهم والهامشي”.
وأكد الخبير أن “آلاف الناس يُعيدون نشر نكتة أو مشهد سخيف، أكثر مما يُعيدون صدى قضية عادلة أو صرخة مظلوم، وذلك لا يدعو فقط إلى الغضب ، بل إلى القلق الحضاري العميق”.
ونبه إلى كون “الترند” قد يخفي خطرًا داهِمًا يُهدد بنية التفكير الجماعي، ويُكرّس السطحية في التعامل مع القضايا الكبرى، ذلك أن المشهد أصبح خاضعًا لمنطق “من يصرخ أكثر يُسمَع أكثر”، ولو كان صراخه خاليًا من أي مضمون.
وأوضح عامري أن “المؤثرين الذين يفتقرون إلى فكر أو رؤية، وصاروا يتربعون على عرش التأثير الجماهيري، فقط لأنهم يتقنون اللعب على أوتار الجدل والإثارة والغرابة، وهكذا صارت شهرتهم تُبنى على السخرية من الذات والآخر”.
وأشار إلى أن الترند، بطبيعته لا يصبر على العمق، لأنه ابن اللحظة، وغايته الانتشار لا التأثير الحقيقي، لذلك لا يُشجّع على التفكير، بل على الاستجابة السريعة، لا يربّي ملكة النقد بل يُغري بالتقليد الأعمى، لا يحرّض على التأمل، بل يروّج للردود الجاهزة.
والخطير في الأمر حسب عامري هو شبابنا الذين أصبحوا غير قادرين على التمييز بين الحقائق والشائعات، بين الرأي والمعرفة، بين الضحك المشروع والتسطيح المهين، بل الأخطر من ذلك، أن يُصبح النجاح في الحياة مقترنًا بعدد المتابعين، لا بالمعارف والمهارات، وأن يغدو الحلم الأكبر هو أن “أصبح مؤثِّرًا”، لا أن أكون طبيبًا أو باحثًا أو مهندسًا أو أديبًا.
وأكد على أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الشباب، بل على منظومة كاملة، من إعلام فقد بوصلته، وتعليم لا يُحفز على الفكر، ونخب لم تعد قادرة على صياغة خطاب جذاب وعميق في آن، فخلَت الساحة لمَن يُتقنون فنون الظهور بلا مضمون.
وفي السياق ذاته أكد الباحث أن الترندات أحيانًا تعبر عن نبض المجتمع، عن غضبه، عن سخريته، عن قلقه، عن توقه للتغيير، فقد يُطلق ترند بسيط شرارةً نحو فتح ملف مهمل، أو لفت الانتباه إلى مأساة منسية، أو فضح ممارسة سلطوية، أو الإشادة بإنجاز وطني.
وأورد في تصريحه أن “الترند” في أحيانٍ قليلة بديل إعلامي عن مؤسسات صمتت، وعجزت عن ملامسة هموم الناس اليومية. ومن هذا المنظور، يمكننا أن نستعير من باولو فريري فكرته الجوهرية حول “التربية كتحرير”: فكل وسيلة تعبير حتى لو كانت عبر ترند يمكن أن تصبح أداة للتحرر، متى ما ارتبطت بالوعي النقدي، لا بالتلقين الساذج.
تعليقات