التحول الأخضر.. شبكة وطنية لجمع الزيوت المستعملة لإنتاج وقود الطيران

التحول الأخضر.. شبكة وطنية لجمع الزيوت المستعملة لإنتاج وقود الطيران

في خطوة تعكس توجهها نحو الطاقة النظيفة والتحول الأخضر، وافقت الحكومة المصرية على إنشاء شبكة وطنية لجمع ومعالجة زيت الطهي المستعمل، بهدف استخدامه كمادة أولية لإنتاج وقود الطيران المستدام محليًا، حسبما أفادت تقارير إعلامية.

تضم الشبكة الجديدة، التي ستنشر تفاصيلها رسميًا في الجريدة الرسمية قريبًا، 30 محطة لجمع ومعالجة الزيوت في 24 محافظة، قبل إرسالها بالكامل لتحويلها إلى وقود طيران صديق للبيئة.

تأتي هذه الخطوة في إطار خطة حكومية طموحة يقودها تحالف من خمس وزارات، على رأسها وزارة البترول، التي أسست في نوفمبر الماضي الشركة المصرية لإنتاج وقود الطيران المستدام. 

وستغذي هذه الشبكة مجمعًا ضخمًا يجري إنشاؤه في الإسكندرية بتكلفة تقدر بنحو 530 مليون دولار، بدعم وترتيبات تمويل من عدة كيانات دولية. ومن المقرر بدء إنتاج الوقود المستدام محليًا في عام 2028 بطاقة مبدئية تبلغ 160 ألف لتر سنويًا، بعد تأجيل الموعد الأصلي المقرر في 2025.

وقود الطيران

ويعد وقود الطيران المستدام، المصنوع من مواد غير بترولية مثل الزيوت المستعملة والدهون الحيوانية والمحاصيل غير الغذائية، خيارًا بيئيًا واعدًا لخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة تصل إلى 80% مقارنة بوقود الطائرات التقليدي، وفقًا لتقديرات الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا). 

وبفضل تشابهه الكيميائي مع الوقود التقليدي، يُسمح حاليًا بخلطه بنسب تصل إلى 50% في الرحلات التجارية، مع طموح مستقبلي لتشغيل الطائرات بنسبة 100% من الوقود المستدام.

وتأمل مصر من خلال هذا المشروع في تحويل أحد أكبر مصادر التلوث البيئي – المتمثل في إلقاء الزيوت المستعملة في شبكات الصرف الصحي – إلى مورد اقتصادي استراتيجي، بما يدعم ريادتها الإقليمية في هذا المجال ويعزز قدرتها على تلبية الطلب المحلي والدولي على الوقود الحيوي.

استهلاك مصر من زيت الطعام

تستهلك مصر كميات ضخمة من زيت الطهي تصل إلى 2.5 مليون طن سنويًا، إلا أن جزءًا كبيرًا من هذه الكمية ينتهي به المطاف في شبكات الصرف الصحي، ما يسبب أضرارًا بيئية وبنية تحتية جسيمة. 

ووفقًا لتقديرات المركز القومي للبحوث الصادرة عام 2020، فإن نحو 90% من الزيوت المستخدمة يتم التخلص منها بشكل غير صحيح، وهو ما يؤدي إلى انسدادات متكررة في شبكات الصرف الصحي وارتفاع تكاليف الصيانة الحكومية، إلى جانب الاستياء المجتمعي الناجم عن هذه الأضرار. 

ويقدر الخبراء أن نحو مليون طن من الزيوت المستعملة يمكن جمعها سنويًا وإعادة تدويرها إذا جرى استغلالها بالشكل الأمثل.

ورغم الإمكانات الهائلة لهذا القطاع، تبقى عملية جمع الزيوت المستعملة التحدي الأكبر أمام مصر في مساعيها لتطوير صناعة وقود الطيران المستدام. فمعظم المصريين لا يزالون يتخلصون من الزيوت المستعملة في الصرف الصحي.

كما أن قطاع جمع الزيوت الحالي يعمل غالبًا بشكل غير رسمي وبهوامش ربح محدودة، ما يجعل إقناع المواطنين بتجميع الزيوت وتوريدها بشكل منتظم مهمة صعبة. 

وحتى الآن، لم تعلن الشركة المصرية لإنتاج وقود الطيران المستدام عن السعر الذي ستشتري به الزيوت، وما إذا كان سيكون تنافسيًا مقارنة بالأسعار الحالية في السوق غير الرسمي.

خفض انبعاثات الكربون

وتسعى مصر من خلال هذه الجهود إلى تحقيق التزاماتها الدولية، لا سيما هدف منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) بخفض انبعاثات الكربون الناتجة عن الرحلات الجوية الدولية بنسبة 5% بحلول 2030، والوصول إلى صافي انبعاثات صفري لقطاع الطيران بحلول 2050. 

وتراهن الحكومة أيضًا على تزايد الطلب المحلي، إذ تستهدف شركة مصر للطيران أن يمثل وقود الطيران المستدام 2% من مزيج وقودها في 2025 و6% بحلول 2030، وهو ما تعتمد فيه حاليًا على الاستيراد لحين بدء الإنتاج المحلي.

كما تفتح هذه الخطوة الباب أمام فرص تصديرية واعدة، خاصة مع تشريعات الاتحاد الأوروبي ReFuelEU التي تفرض نسبًا متزايدة من الوقود المستدام تصل إلى 6% بحلول 2030 و70% بحلول 2050. 

وفي حال تمكنت مصر من تسريع عمليات جمع الزيوت وزيادة إنتاجها المحلي، فقد تصبح موردًا إقليميًا رئيسيًا لتلبية الطلب الأوروبي المتنامي وتجنب شركات الطيران هناك الغرامات الكبيرة المرتبطة بعدم الالتزام بتلك النسب.

وعلى المستوى العالمي، يشهد قطاع وقود الطيران المستدام توسعًا متزايدًا، إذ يتوقع أن يصل المعروض إلى ملياري جالون بحلول 2028، لكن حصته لا تزال أقل من 1% من الطلب العالمي على وقود الطائرات حتى الآن، وفق تصريحات مسؤولين في الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا).

انبعاثات الطيران

وقال المنسق العام للشبكة العربية للبيئة والتنمية “رائد”، عماد الدين عادلي، إن هذا المشروع يمثل خطوة استراتيجية تحمل أبعادًا بيئية واقتصادية مهمة، فمن الناحية البيئية، يعد فرصة حقيقية لتحقيق تأثير مزدوج؛ إذ يسهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنسبة قد تصل إلى 80% مقارنة بوقود الطائرات التقليدي، وهو ما يضع مصر في مسار متقدم لتحقيق أهداف منظمة الطيران المدني الدولي بخفض انبعاثات قطاع الطيران. 

وأضاف عادلي لـ”تليجراف مصر”، إن المشروع يوفر حلًا عمليًا لأزمة الزيوت المستعملة التي تهدر بكميات ضخمة سنويًا وتتسبب في أضرار بيئية وصحية جسيمة، حيث يُلقى أغلب استهلاك المصريون من الزيوت في شبكات الصرف الصحي، وهو ما يسبب انسدادات متكررة وتلوثًا للمسطحات المائية وارتفاعًا كبيرًا في تكاليف الصيانة الحكومية. 

وأكد منسق شبكة “رائد”، أهمية المشروع الذي يمكن الدول من تحويل هذا الزيوت الستعملة إلى مورد اقتصادي ثمين يحقق قيمة مضافة للبلاد، ليس فقط بتقليل الأضرار البيئية بل أيضًا بتوفير مادة أولية حيوية لإنتاج وقود حيوي عالي القيمة.

وأشار إلى أنه إذا نجحت مصر في التغلب على هذه التحديات، فإنها ستتمكن من ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لإنتاج وقود الطيران المستدام، خاصة في ظل الطلب المتزايد عالميًا ووجود تشريعات أوروبية صارمة تفرض نسبًا متزايدة من استخدام الوقود المستدام في قطاع الطيران.

ولفت إلى أن المشروع ليس مجرد خطوة نحو الطاقة النظيفة فحسب، بل سيشكل نموذجًا للتحول البيئي المستدام الذي يجمع بين حماية البيئة وتحقيق مكاسب اقتصادية طويلة الأجل.

المصدر: تيليجراف مصر